سورية هي دماغ جزيرة العرب المفكر وعرقها النابض ولذلك فقد كانت البلاد العربية وفي مقدمتها سورية تكابد وتتحمل من المظالم أنواعها وأشدها ومن المؤسف جداً وجود من عملوا على ترويج سياسة الحكومة العثمانية وتحقيق برنامج جمعية الاتحاد والترقي بشأن قتل الفكرة القومية ذلك البرنامج القائم على قاعدة (فرق تسد). ولما ضاقت الأمة العربية ذرعا بهذه السياسة الغاشية وذهب مساعيها في سبيل تخفيف ويلاتها سدى أرسلت في ١٩١٣ وفداً من منوريها وقادة الرأي فيها إلى باريز لتقرير الخطة الواجب اتباعها والعمل لأج ذلك في جو مشبع بالسكون والحرية مع السعي لدى الدول العظمى لتخفيف ما يكابده العرب من مظالم الحكومة العثمانية وإيصالهم إلى ما يبتغونه من الاستقلال على الشكل الأمر كزي تبعاً لبرنامج الجمعية العربية الفتاة. وقد خشيت الحكومة العثمانية أمر استفحال هذه الحركة وخافت جمعية الاتحاد والترقي سوء نتائجها فأرسلت إلى باريز من يفاوض الوفد ويتمكن من إقناعه وتعليله بالأكاذيب لاعتقادها أن ذلك يؤمن عودة الوفد إلى البلاد وقد أرادت الحكومة أن تقدم البرهان على حسن نواياها وصدق وعودها المقطوعة فشرعت بتولية معظم أعضاء الوفد وظائف مختلفة كبيرة فانخدع الوفد وذهب إلى أن الحكومة العثمانية قد بدلت خطتها وأحسنت نيتها بشأن العرب ولذلك فقد انفض المؤتمر وعاد أعضاءه إلى البلاد ليتولوا الوظائف التي عينوا لها ولله في خلقه شؤون.
وظلت الأمة العربية تنتظر تحقيق الوعود التي قطعتها لها الحكومة العثمانية غير أن هذا الانتظار لم يأت بشيء وظلت الحكومة العثمانية على ما كانت عليه من اضطهادها للعرب وهضمها لحقوقهم المشروعة ودام ذلك حتى دخلت غمار الحرب العاملة إلى جانب الألمان مغتنمة هذه الفرصة لتنفيذ غايتها الأولية من الفتك برجالات الأمة العربية والقضاء على أحرارها وقادة الرأي فيها، ولقد كان في شدة حذر جلالة المغفور له الملك حسين بن علي أمير الحجاز حينئذ وخوفه من دسائس الحكومة المركزية بشأن العرب ولهذا السبب فقد عين المغفور له الملك فيصل سنة ١٩٠٩ نائباً عن لواء جدة من أعمال الحجاز في مجلس النواب العثمانية في الآستانة التي كثيراً ما كان يمر بطريقه إليها على دمشق وقد تعرف في دمشق خلال تردده إليها بكثير من رجالها ووجهائها وعلمائها وفي مقدمتهم دعاة الجامعة العربية من أبناء البلاد السوريين وبعد أن خاضت الحكومة العثمانية غمار الحرب أراد