تألفت عقب ذلك في سورية ثلاث مناطق: المنطقة الجنوبية ومركزها القدس وحاكمها انكليزي والمنطقة الغربية ومركزها بيروت وحاكمها أفرنسي والمنطقة الشرقية ومركزها دمشق وحاكمها عربي الأمر الذي دل على نية الحلفاء منذ دخولهم سورية والغاية الت يرموا إلهيا - وفي العشر الأول من شهر تشرين الأول سنة ٩١٨ أرسل المرحوم الملك فيصل قسماً من جيشه نحو الشمال فاحتل هذا الجيش حمص وحماه ثم حلب وما جاور هذه المدن في البلاد العربي وهكذا فلقد تقلص ظل الأتراك عن جميع الأقطار العربية التي كانوا فيها وبدأت المساعي بتأسيس مملكة عربية مستقلة في سورية يكون ملكها المرحوم الملك فيصل وتأسيس ممالك أخرى في فلسطين والعراق يتولى شؤونها أشقاؤه على أن يكونوا جميعهم على صلة وارتباط بملك العرب المرحوم جلالة الحسين.
فود جلالته تأمين هذه الغاية فسافر من دمشق إلى أوروبا لحضور مؤتمر الصلح ولم يستقر به المقام هناك حتى طلب من الحلفاء أن تكون بلاد العرب مستقلة على الصورة التي ذكرناها وأن تؤخذ سياستها الخارجية على أن يساعد حكوماتها في وضعها الجديد خبراء من رجال الحلفاء، فأعجب أعضاء المؤتمر بزيه العربي وجرأته الأدبية وبلاغة بيانه وصراحة طلبه فعلق هو أيضاً بدوره مستقبل البلاد وتحقيق أمانيه على هذا العجاب، ولكن ما كل ما يتمنى المرء يدركه، لأن فرنسا وانكلترا كانتا متعاهدتين سراً منذ سنة ١٩١٦ ومتفقتين على تقسيم البلاد العربية إذا تم لهما الظفر. فكليكيا والموصل وسوريا لفرنسا والعراق وفلسطين وسائر الشرق العربي لانكلترا. كل ذلك قبل إن يدخل جلالة الملك حسين والعرب معارك الحرب فلما دخل العرب الحرب تحت قيادة المرحوم صاحب الجلالة عدل الحلفاء عن تقسيم البلاد واستبدلوا به سياسة الانتداب.
غير أن انكلترا أخذت تسعى بعد أن وضعت الحرب أوزارها لإخراج الموصل من نصيب فرنسا وإلحاقها بالعراق لتكون تحت سيطرتها وذلك لاحتوائها على ينابيع البترول وكنوز وثروات مختلفة لا تقدر. فوجدت أن اتفاقها القديم مع فراسنة يحول بينها وبين هذه الغاية ففكرت في الأمر واحتالت له وأوجدت في مؤتمر الصلح فكرة استفتاء العرب عن الانتداب ورغبتهم في الاستقلال التام وأرسلوا إلى سورية بعثة أميركية حيادية برئاسة المستر (كراين) فأتى إلى سوريا وباشر الاستفتاء.