ولم يصعب على انكلترا أن تكيد لفرنسا في الخفاء وأن تحمل رجالها وعيونها من السوريين على جعل سكان البلاد يطلبون الاستقلال التام الناجز، دون حماية ولا وصاية، فقالوا لهم الاستقلال قبل كل شيء، وإذا لم يكن من الانتداب بد فأميركا أولاً، وإن لم تكن أميركا فانكلترا أما فرنسا فلا ترضى بها أبداً، بل ترفضها رفضاً باتاً. وقد وافق هذا الكلام هوى من نفوس السوريين فقبلوه وأصغوا إليه واتبعوه في الساحل كما في الداخل.
وهكذا فقد ألحق الموصل بالعراق واعترفت الأمة السورية بالانتداب من حيث لا تشعر إلا أن هذا الانتداب أسند إلى فرنسا خلافاً لرأي السوريين فلم يعبأ برأيهم بل كان بعض رجال السوريين آلة صماء بيد الانكليز فسيروا الاستفتاء حسب رغائبهم.
ولما كان جلالته بباريز اتصل بالمسيو (كلمنصو) رئيس الوزارة الإفرنسية فلقى منه احتراماً ومحبة فأطلعه المرحوم على رغبته في إعلان استقلال البلاد السورية تحت الانتداب الإفرنسي فوافقه المسيو كلمنصو على اقتراحه وعقد اتفاقاً سمي اتفاق فيصل - كلمنصو. ولما تم هذا الاتفاق غادر رحمه الله فرنسا وكان في طريقه إلى سوريا يثني الثناء الجميل على المسيو كلمنصو ويصرح للجماهير التي كانت تستقبله أنه يجب على العرب عامة وعلى السوريين خاصة أن يعتمدوا على فرنسا التي مافتئت تظهر استعدادها في مختلف الظروف لمساعدة العرب وتحقيق أمانيهم. ولم ينتشر الاتفاق المذكور حتى قام بعض رجالات لبنان الذين أعمتهم النعرة الطائفية - وربما كان هناك إيعاز خارجي - يسعون للتفريق بين الساحل والداخل، فازدادت الصعوبات والمشاكل في طريق جلالته ولم يفتر عزمه ولا تقاعست همته بل بقي مع ذلك محافظاً على خطة السلم مع فرنسا كما بقيت هي مثابرة على مجاملته. وكان المؤتمر السورية المنتخب من بعض وجوه الداخل والساحل وفلسطين والعراق مجتمعاً وقتئذ في دمشق فنادى بالأمير فيسل ملكاً على سوريا فوافقته فرنسا على ذلك ولم تمانعه رغبة في المحافظة على ولائه.
فاستدعاني يوم عرض عليه هذا القرار واستشارني فقلت له هل من ضرورة لهذه المجلة وبينت له أن الحكمة تقتضي الانتظار وتدعو لأن يؤجل إعلان التتويج إلى أن تمهد السبل هنا وهناك فقال لي رحمه الله إذا كانت الغاية من هذا التأجيل التفاهم إلى أن تمهد السبل هنا وهناك فقال لي رحمه الله إذا كانت الغاية من هذا التأجيل التفاهم مع الإفرنسيين فقد