حكومة جلالته تعيين ضباط للمرابطة في الأقضية الأربعة بعلبك والبقاع وحاصبيا وراشيا. ولم ينشر هذا الطلب حتى قام رجال السياسة يسعون لدى جلالة المرحوم لإخراج الإفرنسيين من الداخل والساحل بالقوة تأميناً للاستقلال التام الناجز على زعمهم. وقد طلبني صاحب الجلالة في ليلة من ليالي شهر مايس الأول سنة ١٩٢٠ بعد إعلان الملكية بشهرين تقريباً وكان وقتئذ مقيماً بدار المفوض السامي اليوم فملا دخلت عليه وجدت عنده جماعة من السياسيين وهم يلحون عليه بطلب إخراج الإفرنسيين من البلاد بالقوة.
ولما طلب مني رأيي في الأمر ذكرت أنه قبل شهرين عند ما شرحت لجلالته ضرورة التروي في إعلان الملكية كان أجابني بأنه على تفاهم مع الحكومة المنتدبة مما يدل على وجود صداقة متبادلة. فماذا حدث في هذه المدة حتى انقلبت الصداقة إلى عداوة دون علم مني؟ ث قلت له أنه من مقتضى العقل والمنطق أن نقارن بين قوة الخصم وبين قوتنا فنحسب ما يملكه الإفرنسيون من
جيوش وأسلحة ومدافع وذخائر وأموال وتعرف من جهة أخرى ما لدينا من معدات وعتا ولكن بعض الحاضرين قام وصاح يقول: أننا سنقدم قبل انقضاء أسبوعين ما يكفي من الأموال ونحشد جيشاً جراراً.
ولما كنت أعلم أن مثل هذه الأقوال إنما يقصد منها خداع جلالته وإبهامه حتى يكون وسيلة للوصول إلى غايات خفية ويفسح المجال لتنفيذ خطط مرسومة وبما أني رأيت أيضاًَ أن الفوضى ضاربة أطنابها عزمت على اعتزال اعمل وقدمت استقالتي من رئاسة الوزارة.
وقد تألفت وزارة جديدة قائمة على فكرة إخراج الإفرنسيين من البلاد. فأصدرت هذه الوزارة أوامرها بحشد القوات العربية أولاً في مجدل عنجر المشرفة على سهل البقاع ثم ارتأت نقلها إلى ميسلون وهناك التقت القوة العسكرية التي أرسلتها المفوضة الإفرنسية مع القوة العربية وكانت موقعة ميسلون المشهورة عقبها دخول الإفرنسيين إلى دمشق مما اضطر جلالة الملك إلى ترك عرشه بعد البقاء فيه مدة أربعة أشهر فقط.
وعلى أثر هذه الحادثة المؤلمة انكشف الستار عن الخطط السرية المدبرة التي كانت ترمي إلى خلق الأسباب لفصل بلاد شرقي الأردن عن سوريا وإلحاقها بمنطقة الانتداب الانكليزي وتشكيل حكومة خاصة هناك كما انتزعت في الوقت نفسه الأقضية الأربعة عن سوريا