تشبه بشيء منازل المدن الغريبة ذات المظهر المملوء بالغرور والعجرفة. ورأينا المدينة في هرج وهياج والمتنزهون يجتمعون زرافات حول صحيفة يقرأونها بلهفة أو حول لاصقي الإعلانات على جدران الشوارع أو حول بائعي الصحف الذين يملئون الفضاء بصراخهم. ولقد مررت بإحدى المراكز الانتخابية حيث يتجمهر الناس ورأيت رسوم رجال حزب اليمين مع زعيمهم تسالداريس وهو رجل تبدو عليه ملامح العامة ذو ذقن عريضة وشاربين أشعرين وعينين غلبت عليهما الصفرة تحيط بهما أجفان غليظة منتفخة. وفي مظاهر الرجل ما يشير إلى أنه ممن يعيرون أسماءهم وأنه سيعمل لإعادة الملكية القديمة إلى نيقولا أمير الإغريق. ولقد كان إلى جانب رسمه رسم قونديليس وهو يحارب كما قيل في الإعلان، لأجل حرية أخوانه في آسيا الصغرى. وقد لبس على رأسه قبعة كالتي يلبسها الشرطة وهو ذو عينين تدلان على قوة في الإرادة وملامح قائمة أشبه بملامح أبطال حرب الاستقلال وشار بين مصقولين منتصبين على الطراز الألماني. إن قوندليس هو مؤسس الاشتراكية الوطنية في بلاد اليونان وأن أكاليل الظفر التي يحملها موسوليني ومصطفى كمال وهتلر تمنعه من أن ينام هادئاً مستريحاً. ومن يدري فلعله هو الديكتاتور حاكم اليونان المطلق في الغد.
٣٠ حزيران: سلانيك
سيعقد في هذا اليوم اجتماع سياسي عظيم وصول فنزيلوس الذي سيتولى بنفسه الدفاع عن النظام الجمهوري ضد أشياع تسالداريس وقونديليس. ولقد كانت أفواج من الوطنيين المكدونييين وجميعهم من الجمهوريين العتيدين قد هبطوا المدينة من الجبل الذي يسكنونه يسيرون في الشوارع حاملين على أيديهم رسماً كبيراً لفنزيلوس. وعلى شاطئ البحر جمهور عظيم من الناس يبلغ عدده العشرة آلاف على أقل تقدير. وتتألف هذه الجماهير من جميع الطبقات والأوساط ما عدا اليهود الذين ينتسبون لحزب قونديليس ومن الغريب أن فنزيلوس وهو على ما هو عليه من البراعة في أساليب السياسة والإطلاع على دخائلها وخفاياها قد ارتكب خطيئة سياسية كهذه فترك رجال جيشه يجعلون من مناوءة العنصر السامي ومعاداته بنداً من بنود برنامجهم السياسي.
كانت الساعة خمسة حينما نزل فنزيلوس من الباخرة تحييه الجماهير وتهتف له. إن