كان في مشربه السياسي طوال هذه الامدة نورياً متحمساً. بيد أن أبيه الحداد اسكندر موسوليني كان أيضاً نورياً من قبله، وكان أبوه دولي العقيدة والنظرة، شديد العدواة للكنيسة والدين. لقد لعب دوراً لا بأس به في حركات العمل الإيطاليين. أما أمه روزا مالتوني موسوليني، فكانت معلمة بسيطة محافظة في ميولها وامرأة دينة. قد ترجع ذبذبة الطبع والرأي، التي ظهرت جلياً في أدوار حياته السياسية المتأخرة إلى هذا الاختلاف الذي كان بين والديه.
في سويسرا كان معداً لا يملك ما يزيد كثيراً عن ستر جسمه. ونعتقد أنه لذا السب دخل صفوف الثوريين وعمل معهم بنشاط. كان يسعى في تأليف الترايديونيوس (جمعيات العمال النقابية) ويدعو للإضرابات، فطارده البوليس من ناحية إلى ناحية، ثم أخرج من الاتحاد السويسري جميعاً. رجع إلى إيطاليا والتحق بجيش البيرساحجلبيري (ما يقابل القناصة في الجيش اللبناني!) ثم لما ترك العسكرية عاد إلى التعليم ليأكل وثابر على المطالعة ليتعلم. وأخيراً انخرط في الصحافة الاشتراكية.
كان طموحاً بعيد المرمى في أحلامه ومن كثرة ما خبر تأمر الغير به أصبح يرى التأمر لنفسه من اللذات المرغوبة. لما دخل في الصحافة الاشتراكية كان يضمر تحقيق أغراضه المتأصلة نفسه الفردية عن هذه الطريق، كان الحنين فيه إلى السيطرة قوياً بقدر ما كانت نفسه جموحة ومتكبرة، وبقدر ما كان يشعر به من رغبة في طمس صور الذل المخزية في صفحات حياته. ويظهر أنه في هذه ال أيام كانت معرفته بالحياة قد بلغت به إلى قول الطغرائي:
وإنما رجل الدنيا وواحدها ... من لا يعول في الدنيا على رّجل
وإلى قول المتنبي:
ومن عرف الأيام معرفتي بها ... وبالخلق روى رمحه غير زاحم
ذلك لأن كتاباته في تلك الأيام، من صحيفة وأدبية، تتم عن نيتشوية زرادشتية شديدة التمسك بفرديتها، في أحاديثه مع لودفيغ يصرح بحقيقته هذه مرات عدة، ويعترف بأن نيتشه كان دائماً معلمه، وأنه كان دائماً تلميذه. وقد كان في زمان شبابه شبه فوضوي أكثر