للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

والإصغاء والامتثال لما يقرر فيها. فالموالي إذن طبقة متوسطة بين الأولى والثانية لهم شؤون وطبائع خاصة طالما استرعت أنظاري. لا سيما حينما نشبت فتنة شعواء بينهم وبين الحديديين في سنة ١٣٣٩ وقد كانوا على مصاهرة ومسالمة دامتا أكثر من نصف قرن عقيب فتنة مثل هذه جرت إذ ذاك بينهما. ففي سنة ١٣٣٩ اقتتلوا اقتتالاً شديداً حول قرية عقيربات في سفح جبل البلعاس ثم انتقلوا إلى أماكن أخرى في شرقي حماة والمعرة وجنوبي حلب ودامت الفتن بينهم سبع سنوات تخبو نارها وتشب أخرى خاصة كلما وجدت من يوقد شرارها. حتى خربت من جراء ذلك قرى كثيرة في براري البلاد المذكورة وراح ما لا يعد من الصامت والناطق لأهلها.

٣ - الطبقة الثالثة: الأعراب الفلاحون الذين تركوا الحل والترحال وشن الغارات وأيقنوا أن العيش الثابت خير من المتقلقل وأن من يلجأ لحمى الدولة أهنأ بالاً ممن يتكل في حمايته على نفسه وعصبيته فعمروا الخرب الدائرة وهجروا بيوت الشعر إلا قيلاً وقطنوا بيوت الحجر أو القباب وتوفروا على الحرث والزرع أكثر من تربية الماشية. منهم في شمالي الشام القاطنون في قرى أملاك الدولة في أقضية جرابلس ومنبج والباب وجبل سمعان وفي سقي الفرات في لواء دير الزور وفي جنوبي دمشق في قضائي القنيطرة والزويه وغيرهما مما سنذكره أيضاً.

وكنت في سني إقامتي في سلمية كلما سنحت لي الفرص أتجول وأستقصي خرائبها الأثرية شأني في كل أرض حللتها فوجدت ذات يوم مسجداً يبعد عن سلمية خمسة كيلو مترات إلى الشمال له جدران متداعية وقبة من الأجر أكثرها متهدم. وفي قربه ضريح محاط بجدران وليس له سقف علمت بعد أنه لشيخ يدعى الشيخ فرج لا يعرف له أصل ولا خبر تزوره أهل القرى وأعراب تلك الديار لا سيما أهل عشيرة الجملان التي تدعي الانتساب إليه وتنذر النذور لاعتقادهم أنه مبارك وقد وجدت إذ ذاك في جنوب المسجد الخرب جبانة فيها قبور كثيرة منها القديم والحديث عثرت بينها على قبر له شاهدة زبر فيها اسم صاحبه محمد بن عبس بن مهنا وتاريخ وفاته رجب عام ٧٢٤.

وما أن لمحت هذا الاسم حتى ذكرت أنه مر عليّ كثيراً خلال قراءتي تاريخ الملك المؤيد أبي الفداء وتاريخ الأمير حيدر الشهابي، فأسرعت بعد هذه الزيارة لمراجعتهما فإذا بي أمام

<<  <  ج: ص:  >  >>