طائفة من الحوادث أجراها أبو هذا الرجل وأخواه مهنا وفضل وأعقابهما في القرن السابع والثامن والتاسع من الهجرة، وأخرى مثلها أجراها قبلهم أقاربهم بنو الجراح في جنوبي الشام وشماليه في القرنين الرابع والخامس أدهى وأمر مما أتاه الموالي الحديديون في زماننا. وقد تبين لي منها ومن المصادر التي راجعتها بعد حين كصبح الأعشى للقلقشندي والعبر لابن خلدون أن عبس بن مهنا فخذ من آلف فضل من ربيعة من طي من كهلان من القحطانية.
وأنهم كانوا في زمن السلاطين الأيوبيين سيما في دولة المماليك كما قال في صبح الأعشى رؤساء أكابر وسادات العرب ووجوههما ولهم عند السلاطين حرمة كثيرة يحلونهم فوق كيوان وينفقون لهم أجناس الإحسان. وتبين لي أن آل عبس خاصة كان لهم مداخلة في إدارة بلاد الشام وسياستها في تلك القرون وأثر عظيم في زوال عمرانها وانحطاط شأنها اللذين حصلا حينما اختلت الأمور في آخر دولة المماليك على النحو الذي أدركناه من أعراب زماننا عقيب زوال الدولة العثمانية.
وساقني هذا الإطلاع لاقتفاء أثر آل عيسى وخاتمتهم ومعرفة العهد الذي انقرضوا فيه وكيف تم ذلك وهل بقي منهم في زماننا أعقاب، فوجدت الشهابي في حوادث القرن الحادي عشر يلقب بعض أمراء البادية بآل أبي ريشة وينعتهم بالحيارين كما نعت عيسى بن مهنا وأعقابه من قبلهم. وقد استدعى نظري هذا اللقب وتذكرت أن أمراء قبيلة الموالي في زماننا مازالوا يعرفون بآل أبي ريشة فصرت افتكر في هل أن هؤلاء هم من أعقاب عيسى بن مهنا أبو صاحب القبر الذي عثرت عليه شمالي سلمية وهل بالإمكان ربط سلسلتهم نتلك الأرومة. ولما سألت بعض هؤلاء الأمراء وبعض شيوخ القبائل المجاورة لهم وجدتهم يا للأسف في غفلة عن ماضيهم ومعرفة أنسابهم، يكاد أحدهم لا يعرف اسم أجداده ناهيك عن أسلافه البعداء وقليل منهم من يحفظ حديث أخبارهم وملامحهم وتاريخ وقوعها وأماكنها، والحافظون لذلك منهم تتضارب أقوالهم وتتشتت رواياتهم التي التقطتها على علاتها وسأذكر زبدتها فيما بعد. وفي الجملة فقد صرت شبه الموقن بأن فضيلة حفظ النسب وضبط الحسب ومعرفة أخبار السلف ضاعت من أعراب زماننا كما ضاع منهم كثير من الفضائل والمحامد التي كانت لأسلافهم في الجاهلية وصدر الإسلام وملأت كتب التاريخ