يقول ابن سينا: هل لأحد من أخواني في أن يهب لي من سمعه قدر ما ألقي إليه طرفاً من أشجاني عساه أن يتحمل عني بالشركة بعض أعبائها. وهؤلاء الأخوان الذين سيحملون عنه بالشركة بعض أشجانه هم الأخوان الذين جمعتهم القرابة الإلهية وألفت بينهم المجاورة العلوية ولاحظوا الحقائق بعين البصيرة وجلوا الوسخ ورين الشك عن السريرة وهؤلاء الذين ألفوا المجاورة العلوية هم الذين انسلخوا عن المادة وتجردوا عن الشهوات بإيمانهم وعقلهم: ويلكم أخوان الحقيقة انسلخوا عن جلودكم (صفحة ١١٥ جامع البدائع) ومن عجب أن الإنسان الذي نورت جبلته بالعقل لا يزال يبذل الطاعة للشهوات ويضيع على استئثارها صورته: ويلكم أخوان الحقيقة لا عجب أن اجتنب ملك سوءً وارتكبت بهيمة قبيحاً بل العجب من البشر إذا استعصى على الشهوات.
وإليك بعض ما جاء في رسالة الطير:
برزت طائفة تقتنص فنصبوا الحبائل ورتبوا الشرك وهيأوا الأطعمة وتواروا في الحشيش وأنا في سربة طير لحظونا فصفروا مستدعين فأحسسنا بخصب ما تخالج في صدورنا ريبة ولا زعزعتنا عن قصدنا تهمة فابتدرنا إليهم مقبلين وسقطنا في خلال الحبائل أجمعين، فإذا الحلق ينضم على أعناقنا والشرك يتشبث بأجنحتنا والحبائل تتعلق بأرجلنا ففزعنا إلى الحركة فما ذاتنا إلا تعسيراً فاستسلمنا للهلاك وشغل كل واحد منا ما خصه من الكرب عن الاهتمام لأخيه، وأقبلنا نتبين الحيل في سبيل التخلص زمانا قد انسينا صورة أمرنا واستأنسنا بالشرك واطمأنا إلى الأقفاص وهذا شأن النفس عند اتصالها بالجسد لأنها تألف كما يقول في قصيدة النفس مجاورة الخراب البلقع ويصدها الشرك الكثيف عن بلوغ غايتها، ثم أ، الطير الذي استأنس بالشرك ليلحظ مرة رفقة من الطير قد أخرجت رؤوسها وأجنحتها عن الشرك وبرزت عن أقفاصها تطير وفي أرجلها بقايا الحبائل فيقول فذكرتني ما كنت أنسيت ونغصت علي ما ألفته فكدت أنحل تأسفاً أو ينسل روحي تلهفاً ثم يناديهم ويناشدهم بالصحبة المصونة والعهد المحفوظ فلا يتقربون منه إلا بعد أن ينفى عن صدورهم الريبة ثم يغتنم النجاة ويطالبهم بتخليص رجله عن الحبال فيقولون له لو قدرنا عليها لابتدرنا أولاً وخلصنا أرجلنا وإني يشفيك العليل، إن هذه الحبال كما يقول بعد ذلك لن يقدر على حلها إلا عاقوها ثم يطير حتى يبلغ جبل الآله ثم يشرد على الراحة بعد