تزال تعبر بعبارات مختلفة عن استيائها من عدم الأخذ بالأفكار الحديثة وأما الأفعال فإنها تبدي للملاحظ من الخارج مشهد سلسلة من الغفلات. إن المنطق بعيد عنها لأنها محسوسة، لذلك نرى أن حسن حسين هيكل يعتقد أن تعريب نظريات هيكل (الفيلسوف الألماني) في التكامل مفيد، ويعين بنفسه على نشرها وقد افتتح كتابه المعرب بمقدمة، تشعر فيها برد أديب يدل على إنكاره لآرائه، ولكن ذلك لم يمنعه من الاعتقاد أن نظرية النشوء والارتقاء قد أشير إليها في مقدمة ابن خلدون، فله إذن شرف الانتباه إليها، أو الملامة عليها؟ ومن البين أن المؤلف لم يستطع أن يطرح هذا السؤال الأخير، ولا أن ينتهي به الشعور الجلي، فقد أصبح غامضاً بالاشتباه الحاصل في القيم الأجنبية. إن الجهد المبذول لتوحيد القديم والحديث ينتهي إلى انعكاسين متباينين قد يعبر عنهما بعبارتين متضادتين: أولاً رأي حديث أجنبي متهم، ثانياُ وقال به مع ذلك القدماء.
وكثيراً ما يظهر هذا التضاد المشهود عند اقتباس العادات الأجنبية فمسألة الاقتباس هي كذلك كثيرة التعقيد كمسألة الحجاب. فإنه لا يزال في الشرق يثير النضال بين أنصار القديم والحاضر، واستشهد على ذلك بمحاضرة الشيخ عبد القادر المغربي التي ألقاها في جمعية تهذيب الشبيبة السورية ببيروت عام ١٩٢٨، وعنوانها محمد والمرأة ذكر فيها أنه بينما كان النبي (ص) يعامل النساء معاملة حرية ومساواة، كان مجمع (ماقون) بالاتفاق العجيب يبحث عما إن كانت المرأة إنساناً من البشر؟ وفيما فسر به الحجاب إبهام، يجعله حاجباًً للمرأة عن الابتذال. وأنه عادة الملوك والملكات والعظماء. ولا يزال الحجاب شأنهم إلى هذه الأيام، وإن التأثير الشعبي هو الذي ألجأ النبي إلى حجب النساء وهو المظهر الارستقراطي الوحيد الذي ظهر به النبي بتأثير مقتضيات الأحوال.
وماذا يستنتج من ذلك؟ أن الكل قديم: حرية المرأة، ومساواتها بالرجل (بل امتيازها عليه) وحتى السفور فإنه قديم، إذن فليست العوائد مقتبسة وإنما هي متأصلة في الأمة.
ونذكر المثال الآتي لبيان حكم المشارقة على مدنياتنا، وهو مقتبس من البيانات المنشورة في مجلة الهلال عام ١٩٢٨. من الدكتور عبد الحق الأستاذ في جامعة حيدر آباد الدكن الهندية في طريقة إلى مؤتمر المستشرقين باكسفور ذاهباً إليه ليمثل جامعته العثمانية الموسوعة باسم حاكم الولاية نظام عثمان عي خان قال ما تعريبه: إن مواطنيّ لا يزالون