تصويبها وتوجيهها فتمثل ما تريد أن تعلنه لهم تمثيلاً صحيحاً قد يصعب التفريق بينه وبين الحقيقة.
وتنتهي الفنانات من رقصهن وتمثيل أدوارهن على المسرح فيعدن إلى مجالسهن بين المتفرجين وقد انتصف الليل وهو الوقت الذي يكثر من بعده إقبال زوار المقصف على دعوة الفنانات إلى موائدهم لمجالستهن والتحدث إليهن. ولا تلبث الخمرة أن يدب دبيبها وتتغلغل نشوتها في الرؤوس فيبدو للمراقب في المقصف من المشاهد والمواقف ما يلهيه ويسترعي اهتمامه.
فهناك شاب متأنق متظرف لم ينل الشراب منه بعد إلا قليلا، جلس إلى فنانة صبوحة الوجه قدم لها من الويسكي شربته خلال مدة قصيرة من الحديث، وأخذت تدور بعينيها تفتش عن خادم المقصف لتطلب قدحاً ثانياً، وانبرى جليسها يحاول أن يستلهيها بحديثه ليصرفها عما تريد فلا يوفق، ثم لا يجد بدا من الإذعان، فيصبر على كره، ويوعز للخادم أن يجيبها إلى ما طلبت وهو حريص على ودها يأمل أن يصل إلى قلبها ويخشى إذا أبى عليها ما طلبت أن يسقط في عينيها سقطة لا مقبل له منها. فيحاول أن يكتمها ما في نفسه ويعود لمغازلتها متكلفاً الهناء والغبطة.
وتراها قد اكتشفت سريعاً ما ود أن يخفيها من أمره وسجيته، وعرفت أنه من المعجبين بأنفسهم الذين يحاولون أن يستغووا مثيلاتها بنفقة زهيدة تافهة. فتنصرف إليه، متكلفة هي أيضاً الهناء والسرور، تمثل أمامه دوراً جديداً يتفق مع ما اهتدت إليه مع طبعه، فتأخذ بالثناء عليه، والإطراء على عذوبة حديثه وجمال وجهه وملبسه وتمثل في ملامحها ونظراتها ما تريد أن تقنعه معه أنها أصبحت وفي نفسها من الإعجاب به ما قد ينقلب بعد زمن قريب إلى هيام ووله. على أنه لا تلبث على شأنها إلا قليلاً حتى تراها وقد أخذت تقلب الطرف من جديد في جمهور الحاضرين وتستعرفهم فترسل نظرة استغواء عميقة وابتسامة عجلى لرجل ينظر إليها باسماً وقد جلس غير بعيد عنها في جمع من رفاقه. ثم تعود إلى حديثها مع جليسها، وتعزف موسيقى الجازبند مقطوعة من رقصة الرومبا فتنهض وإياه إلى ساحة الرقص مع الراقصين والراقصات وتستمر في تحدثها إليه وهي ترقص لكنها لا تصل في دورتها مرة إلى الناحية التي جلس فيها ذلك الرجل الذي ابتسمت له إلا