وتمنحه خفية عن الراقص معها، من التفاتها ما يجعله يتنحنح في مجلسه فيصلح من شأن ملبسه ويمر بأصابعه على ربطة رقبته يتعهدها بالترتيب ثم لا يلبث أن يكيل لهذه الراقصة على مسمع من رفاقه، من صيحات الثناء عليها وعلائم الإعجاب بجمالها ما قد لا يتفق مع ما كان يقوله عنها قبل حين.
وقد لا يتسنى لك تتبع هذه الراقصة بنظراتك فتنصرف لمراقبتها دون سواها لأن بين جمهور الراقصين والراقصات من الأزواج ما يسترعي اهتمامك أيضاً، فقد تجد رجلاً قصير القامة مستدير الجسم يرقص مع فنانة طويلة جداً وتراه يتحدث إليها ويغازلها وهو كأنما ينظر إلى سقف القاعة. وقد تجد كهلاً سمحاً تجاوز الخمسين يرقص مع شابة فاتنة وهو يتكلف الرشاقة في حركاته وخطواته وترى راقصته تنظر خفية عنه إلى عشاقها والمعجبين بها الجالسين حول ساحة الرقص هازئة به بما تبديه في وجهها من ملامح وإشارات متعملة التأفف والضجر، وتراه هو منهمكاً في رقصه لا ينتبه إلى ما يجري حوله ومن وراء كتفه ولا يعرف شيئاً مما يدور بين راقصته وبين المتفرجين.
وترى ركن من أركان القاعة فتى من أبناء الموسرين بدت في أسارير وجهه الجميل ملامح الغباوة والسذاجة جلس إلى فنانة روسية نحيلة الجسم سوداء العينين ذات شعور صناعية الشقرة وتجده جواداً كريماً في تقديم ما تطلبه من الشراب، وهو لا يحب هذه المرأة ولا يعشقها بل يهوى راقصة غيرها من راقصات المقصف رأى من جفائها له ما حاول من بعده أن يستثير كوامن الغيرة في نفسها فدعا لمائدته زميلتها هذه وأخذ يطارحها الصبابة والوجد. وليس من الصعب عليك أن تفهم إذا أمعنت النظر في أوضاعها ونظراتها إلى زميلتها تلك التي جلست تحدث رجلاً آخر، أن تعرف أن الاثنتين قد اتفقتا على الفتى. تعاقدتا على أن يتقاسما ما يصيبهما من كرمه.
ويدعو اهتمامك رجل ثمل انتحى ناحية من القاعة مع راقصة قدم لها قدحاً من الكونياك وهي لا تعرف إلا اللغة الألمانية وبضع كلمات من الفرنسية وتسمعه يتحدث إليها بالعربية وعندما يرى أنه لم يستطيع إفهامها ما يود أن يقوله لها يعود فيمزج كلامه العربي بألفاظ تركية وتراها أوشكت أن تفهم بعض الشيء من حديثه فتجيبه بالفرنسية مستعينة على ذلك بإشارات الوجه والأصابع ويجري بينهما حوار متقطع مضحك يقع فيه بينهما من سوء