التفاهم ما يذهب بهما إلى غير ما يريدانه. ويجلس في جهة قريبة منك رجل يهوى راقصة رومانية فاتنة لا يعرف لغتها ولا اللغة الفرنسية التي تعرفها هي، وقد دعاه هيامه بها لأن يدعوها لمائدته فيقدم لها زجاجة من الشمبانيا ويستعين على محادثتها برفيق له يعرف الفرنسية وترى هذا الرفيق تأبى عليه نفسه أن يقوم بدور المترجم فحسب بل تراه لا يحجم أن يشارك رفيقه في مطارحتها عواطف نفسه وآيات إعجابه حتى أنه كثيراً ما يتصرف بالترجمة تصرفاً لا يتفق مع الأمانة في النقل ولا يلتئم مع مصالح من عهد إليه بهذه المهمة.
وهنالك شاب لعله من موظفي الدوائر العامة أو من الموسرين أرباب المصالح الحرة في ملابس علية القوم وشمائلهم، دخل المقصف رصيناً رزيناً، وجلس مع رفيق له في زاوية من زواياه جلسة هادئة محتشمة، على أنه لم يشرب القدح الثاني من الوسكي حتى أصبح طروباً يكاد أن يكون عربيداً يرن صدى ضحكه في أجواء القاعة، وما هو إلا القدح الثالث حتى أطلق العنان لهوى نفسه فانبرى يصيح مع الصائحين ويرقص مع الراقصين مستسلماً لما تمليه عليه وتطلبه منه راقصة ايطالية رشيقة رعناء دعاها وجميع من يلوذ بها في المقصف إلى الشراب، وحام حول مائدتها العازف على القيثارة يسمعهم نغمة تؤجج أقصى ما في الأنفس من حنان ووله. فانهالت عليهم الأقداح تترى وضاعف خدام المقصف عددها وأثمانها في دفاترهم التي سيبرزونها عند الحساب.
وفي ناحية أخرى رهط من الرفاق دعوا لمائدتهم غانية من غانيات المقصف قدموا لها قدحاً من الوسكي اتفقوا فيما بينهم على أداء ثمنه مساهمة وتجدهم محيطين بها يتسابقون في استجوابها واسترضائها بمختلف اللغات واللهجات فتكاد لا تعرف إلى أي منهم تتحدث أو أيهم تجيب.
وإلى جانب هؤلاء جماعة من الغرباء الذين وفدوا من الغرب إلى الشرق، جلسوا يقصفون ويسمرون أو يتحدثون لفتيات المقصف ويراقصونهن وقد تجدهم في جلستهم محتشمين هادئين تارة وصائحين معربدين أحياناً.
وهنالك فئة من الشباب وطلاب المدارس العليا اجتمعوا في حلقة علا ضجيجها حتى أوشكت أن تقلق صاحب المقصف وتراهم جميعهم يهتفون ويصفقون متكلنين فرح الشباب