والشام في عدوة الفرات كبني كلاب وبني كعب وبني عقيل وبني نمير وبني قشير وكلهم من عامر بن صعصعة من العدنانية كانوا كالرعايا لبني حمدان أصحاب حلب يؤدون إليهم الإتاوات وينفرون معهم في الحروب. ثم استفحل أمرهم عند فشل دولة بني حمدان وساروا إلى ملك البلاد ففي سنة ٣٤٤ اجتمعت القبائل المذكورة بعضهم في مروج سلمية وبعضهم في عين الزرقاء بين خناصرة وأسريا وتشاركوا ما لحقهم من سيف الدولة وتضافروا على حربه وهاجموا عماله وقتلوا بعض نوابه وكان مشغولاً عنهم بغزو الروم فزاد طمعهم وبعث ينصحهم فلم يرتدعوا فخرج إليهم من حلب إلى سلمية فواقعهم فيها وفتك بهم ولحق جموعهم وفلوهم إلى الفرقلس والغنثر وتدمر يقتل وياسر ويصفح وامتدحه يومئذ المتنبي بقصيدة جاء فيها ذكر سلمية منها:
اقبلها المروج مسوملت ... ضوامر لا هزال ولا شيار
تثير على سلمية مسبطراً ... تناكر تحته دون الشعار
وفي قصيدة لأبي فراس الحمداني يفخر بتلك المواقع:
سقينا بالرماح بني قشير ... ببطن الغنثر السم المذابا
ثم استفحل أمر هذه القبائل لما انقرضت دولة بني حمدان في غرة القرن الخامس وضعف شأن الخلفاء الفاطميين فتقاسموا بلاد الشام على ما قدمناه وتحضروا وأنشأوا ممالك، فدام ملك بني مرداس الكلابيين في حلب وأعمالها سبعون سنة (٤٠٢ - ٣٧٢) إلى أن أخذ الملك منهم بنو عقيل أصحاب الموصل ومنهم شرف الدولة مسلم بن قريش كان له من الموصل إلى حلب، ثم دام ملك هؤلاء إلى أن قرضه نور الدين محمود بن زنكي سنة ٥٦٤. أما بقية القبائل التي ظلت بادية فقد ضعف شأنها واضمحل فمنها من عاد إلى قلب الجزيرة العربية وضاع خبره من اندمج في بني طيء لما عظم شأنهم ونبه ذكرهم في شمالي الشام فتضاء اسمه وذاب جسمه في بيئتهم.
وصارت الرئاسة في طيء إلى آل ربيعة. قالوا وكان ربيعة أمير عرب الشام في غرة القرن السادس في عهد الأنابك طغتكين ثم خلفه في إمارة ابنه مراء بن ربيعة الذي ذكر له أبو الفداء حادثة خطيرة مع الصليبيين. قال أبو الفداء:
(ج٢ ص٢٤٣) وفي سنة ٥١٣ سار جوسلين صاحب تل باشر إلى بلاد دمشق ليكبس