أصول وهبة قرائح وابتداع الجميع معاً وكل فرد على حدة.
لقد لاحظت مرات شتى انعقاد تعاضد طبيعي بين سوريين وفرنسيين، عندما ينقد التعليم النفعي خصائص درس الأدبيات البيانية والأدبية والاصطلاحية مستنكرين خطتنا العقلية التقليدية وخطة المدارس العربية التقليدية معاً. وحينما يعرض على الشرقيين تطبيق الطريقة النفعية، التي تستهدف بالدرجة الأولى إعداد فنيين عمليين، فإنهم يسيئون الظن بمن يعرض هذه الطريقة ويخيل لهم أنه يرمي من ورائها إلى إدامة استعباد الشرق وعلى عكس ذلك يشعرون بأن في مناهج تعليمنا مزية إنماء الاستعداد لبلوغ الحقيقة وقوة الحكم المستقل الجريء في كل فرد وهو أول وأنقى أنواع التحرير. قال كاتب شاب حديثاً في بيروت أن ثمرة حرب المارن في نظر الشرقيين هي السماح لهم بالاحتفاظ بديكارت. ومع ديكارت جميع أدبياتنا القديمة وجميع مناهج درسنا والبديعية التي يصبو إليها الشرق بشغف خالص عميق. إن حب الوحدة الشديد ومذهب الخيال المجرد اللذين توحيهما الآثار الفرنسية الكبرى يلائمان ولا ريب الميول الأساسية للروح العربية. هوى الوحدة والخيال المجرد.
ويمكن أن يستساغ القول من غير أن يستغرب. أن روايات راسين التمثيلية مثلاً التي قليلاً ما تستطاب من قبل الأجانب، ألفت لتلقى هنا شعباً متأهباً للشعور بالصفاء النقي والنبل الفردوسي. ولذا يتراءى لي أن منهاجنا في الثقافة العقلية القديمة يلائم هذا القطر كل الملائمة. وهو الذي جعلنا أبداً معلمين للشعوب الحرة، وقد عهد إليه بتمثل الدور نفسه في شعوب الشرق الفتية.
على أنه يجب الحذر من أن لا تستهدف تربيتنا سوى الرجل النظري، بتوجيهها جل عنايتها نحو الرجل الخيالي. فسواء في أوروبة والعالم الجديد أو في آسية يزداد اهتمام المربين يوماً فيوماً بالتتبعات التي تستقصى في مؤسسات التربية وبالجهود المبذولة في سبيل استقراء المبادئ لتربية حديثة، من عالم أساطير الأطفال وألعابهم، تكون أكثر ملائمة لحاجات العروق الخاصة والشعوب والبيئات الاجتماعية، لأن هذه التربية الحديثة أكثر عناية بإيقاظ الخصائص الفردية وإنمائها. إن معالي ساطع الحصري ينتسب إلى نفس المذهب الذي يخضع إليه المربون الحديثيون في الجمهورية الصينية، باعتباره الطفل