راحته وهنائه وينعم بما وهبه الله من غرائز وما حبته الطبيعة من خصال لهو أسعد عيشاً وأهنأ بالاً وأكثر راحة من ذلك العالم الشقي الذي سجن نفسه في دائرة ضيقة من الحياة واستسلم لما تميله عليه عبقريته الكئيبة وفكرته المتأصلة المتجمدة.
العلم نظرية التطور:
ما زالت نظرية التطور، منذ أيام لامارك وداروين وسبنر، تشغل أفكار العلماء والباحثين فيحتدم الجدل حولها أحياناً ثم يهدأ ردحة من الزمن.
لا شك في أن العلم الحديث، القائم على البحث الدقيق والمعرفة العميقة، أصبح اليوم يدعو العلماء إلى التزام منتهى الحيطة والتربص في قبول النظريات وتعميم نتائجها كما كان الحال في القرن التاسع عشر تجاه نظرية التطور.
ولقد كادت نظرية داروين في الاصطفاء الطبيعي تتزعزع من أسسها في المدة الأخيرة بعد أن عجز البحث العلمي الدقيق عن إثبات وجود تغيرات دائمة متقسمة حسبما تدعي هذه النظرية فإن المشاهدات العلمية لم تظهر لنا سوى تبدلات وراثية فجائية. ورغم أن هذه التبدلات الجزئية تحدث بكثرة نسبية فإن العلماء ظلوا مدة طويلة لا يستطيعون وضع قانون لها يخرجها عن مجرد المصادفة ويشرح كيفية حدوثها وفائدتها في المحافظة على بقاء الذات ثم نشوء الأنواع الجديدة منها على الأقل.
وقد قام أخيراً الأستاذ (فيكتور يوللوس) في برلين يسعى لسد هذه الثلمة بالتجارب العلمية التي أجراها في سبيل معرفة التغيرات الاصطناعية فأن (يوللوس) فحص تأثير الحرارة المتزايدة في بعض الحشرات أثناء أدوار مختلفة من تطورها فوضع مقداراً من الذباب من جنس واحد في صناديق تبلغ درجة حرارتها ٣٥ - ٣٦ ثم نقلها بعد عدة ساعات إلى درجة الحرارة المعتادة وهي (٢٥) سانتيغراداً. حينئذ لاحظ (يوللوس) أن عدد التغيرات التي حصلت تحت تأثير الحرارة كان يقارب (١٠٠) بين (٥٠. . . .) في حين أن التغيرات الوراثية تحت الشروط الاعتيادية لا تزيد عن حادث واحد بين (٢٥٠. . . .) ثم استطاع الأستاذ (يوللوس) في تجاربه هذه أن يتوصل إلى نتيجة ثانية أكبر أهمية وهي زيادة التغير الحاصل تحت تأثير العامل الخارجي في اتجاه معين. فأنه بتكرار زيادة درجة الحرارة استحصل من ذباب قاتم اللون على أنواع جديدة باهتة.