من يرى فالري لأول مرة يصعب عليه أن يرفع النظر عنه فهيئته الخارجية تستدعي النظر: قصير القامة ضعيف البنية يمشي ببطء وهو منحني الظهر قليلاً، شعره على وشك البياض، متدل على وجهه من جبهته اليمنى، يغطي حاجبه، فمه عريض يكلله شاربان كثيفان قصيران، خداه أجوفان تقطعهما تجعدات عميقة، عيناه صغيرتان لا أذكر لونهما ولكنك تشعر أن أطلت النظر فيهما بأنهما موجهتان إلى داخل فكره لا إلى العالم الخارجي فكأن أنظار فالري تنفى وجود كون خارج عن الكون الذي في نفسه.
ولد فالري في مدينة على البحر المتوسط تدعى سيت في ٣٠ أكتوبر من سنة١٨٧١ وكان والده من أصل كورسيكي وأمه ايطالية تنتسب إلى إحدى عائلات مدينة جنوى وفي السنة السابعة من عمره رحل إلى انكلترا ثم عاد إلى بلدته وبدأ تحصيله في مدرسة مرتفعة فوق المرفأ على مصعد جبل بالقرب من حقل الأموات ذلك السطح الهادئ بين أشجار الصنوبر والقبور الذي سيخلد ذكره في المقبرة البحرية.
وكان فالري الصغير تلميذاً متوسطاً في اجتهاده ومطالعته، بعيداً عن رفاقه ميالاً إلى الانفراد ولم يتخذ رفيقاً غير البحر المتلألئ المتغير الألوان حسب أشعة الشمس المتقلب فوق درره الثمينة المستترة، البحر الذي سيشبهه في المستقبل بنفسية الإنسان ولما بلغ السنة الثالثة عشرة من عمره أرسل فالري إلى مونبلييه ليكمل تحصيله وهناك أهمل دروسه، فشعر بوحشة البحر وقضى الليالي العديدة يحلم بدخوله في سلك البحارة نظير أجداده الكورسيكيين ولكن ضعفه في ذلك الزمان في الرياضيات حال دون مساعيه وقد انكب على مطالعة فيكتور هوكو وتيوفيل غوتييه ثم أحب فن البناء وبدأ يختصر معجم البناء الضخم الذي وضعه أحد المهندسين الإفرنسيين المشهورين في القرن التاسع عشر المدعو فيوله ليدوك - ولما شعر بأنه لا يستطيع اتخاذ مهنة معينة باشر مثل أكثر شبابنا اليوم بدرس الحقوق في معهد مونبلييه الذي سيكون عميده بعد بضع سنين شقيق فالري الأكبر جول فالري.
وبالطبع فإن شاعرنا نام في أغلب محاضرات أساتذة الحقوق ومما لاشك فيه أنه لم يجد أقل لذة من تلك الدروس الثقيلة الهضم ولم تلهه المدرسة عن الرياض والجبال والغابات. وقد بدأ بقراءة كاتب من أغرب كتاب فرنسا اسمه هو يزمنس واضع كتاب في الطريقو