الضيفان وسارعوا إلى تقريب الجفان حفظوا البر من كل جهاته وحرسوه من سائر مواقعه وآفاته، ولهم سجايا مالكية وعطايا برمكية ووهائب حاتمية وصوارم تنسحب بذيلها الرقاب ومكارم يحتبس على أثرها السحاب. لا يخلو ناديهم من سيد ومسود ووافد آمل وصارخ ملهوف وهارب مستجير ولا ينطفئ لهم نار قرى، يسرح عدد الرمل لهم أبل وشاة، تطل منهم على بيوت قد بنيت بأعلى الربى وبلغت السحاب وعقد عليها الخبا قد اتخذت من الشعر الأسود وتبطنت بالديباج ودبجت بالعسجد وفرشت بالمفارش الرومية والقطائف الكرخية ونضدت بها الوسائد وشدت أطنابها وأرخيت سجفها وتزايد ظرفها وشرعت أبوابها إلى الهواء ورفعت عمدها وقرر وتدها وطلعت البدور في كلتها ورتعت الظباء في مشارق أهلها. . . الخ
وقد ردد أبو الفداء وابن الوردي وحيدر الشهابي في تواريخهم ما كان للأمير مهنا بن عيسى بن مهنا في أواخر القرن السابع وأوائل الثامن من المكانة لدى سلاطين مصر ونوابهم في الشام - وذلك يؤيد مؤلف مسالك الأبصار - وذكروا تداخله في بعض أمور الدولة وعدوا وثباته وغاراته والخراب والدمار الذين أتى بهما أولاده وأولاد أخوته وأعقابهم مما أدى لدثور سلمية وأعمال حماة والمعرة وحلب وكان له أثر كبير في تاريخ القرنين المذكورين وما بعدهما رأيت أن انقله من مختلف الصحائف ليكون عبرة وذكرى.
ذكر المؤرخون في حوادث سنة ٦٩٢ إن الملك الأشرف خليل بن قلاوون لما توجه من دمشق إلى حمص أضاف الأمير مهنا بن عيسى ثلاثة أيام بلياليها ثم أن السلطان بداله أن يقبض عليه وعلى أخويه محمد وفضل فقبض عليهم وأرسلهم معتقلين إلى قلعة الجبل في مصر وولى الأمير علي بن حديثة عوضاً عن مهنا. ولم يذكروا سبب هذا الاعتقال ولعله كان لازدياد عتو مهنا في ذلك الحين. ثم قالوا في حوادث سنة ٦٩٤: لما جلس الملك العادل زين الدين كتبغا أفرج عن المذكورين وعاد مهنا إلى سلمية - وكان مقره في قرية تل اعدا - واخلد إلى السكينة وحسنت سيرته فسمت منزلته لدى الملك الناصر محمد بن قلاوون الذي عاد إلى السلطنة سنة ٦٩٨ للمرة الثانية وأصبح مهنا ممن يتوسل به في الملمات. شفع في سنة ٧٠٧ بنابغة الإصلاح الديني تقي الدين أحمد بن تيمية وقد كان مسجوناً في مصر في الجب بقي في غياهبه نحو ستة أشهر ولم يجد مريدوه طريقة لإنقاذه