سنة ٧٢٠ تقدمت مراسيم السلطان بقطع أخباز (لعلها رواتب مقننة) آل عيسى وطردهم بسبب سوء صنيعهم فقطعت أخبازهم ورحلوا عن بلاد سلمية وساروا إلى جهات عانة والحديثة على شاطئ الفرات فلحقهم جيش السلطان فهربوا إلى وراء الكبيسات وأقام السلطان موضع مهنا أحد أبناء أعمامه محمد بن أبي بكر من آل علي. وفي سنة ٧٢١ عدى مهنا بن عيسى الفرات وتوجه إلى أبي سعيد ملك التتار مستنصراً به على المسلمين وأخذ معه تقدمة برسم التتار سبعمائة بعير وسبعين فرساً وعدة من الفهود وفي سنة ٧٢٤ وصل الأمير فضل بن عيسى أخو مهنا إلى مصر داخلاً ومستشفعاً فرضي عنه السلطان وأقره على أمرة العرب موضع محمد بن أبي بكر. وفي تلك السنة نزل الأمير مهنا في ظاهر سلمية عند تل اعدا وكان له ما يزيد على عشر سنين لم ينزل بأهله هناك وكان الأمر والنهي إليه في العرب وخبز الإمرة لأخيه فضل. وفي سنة ٧٢٦ أمر السلطان بطرد مهنا وعربه وأمرني بإرسال عسكر إلى الرحبة لحفظ زرعها من المذكورين فجردت إليها أخي بدر الدين ومحموداً ابن أخي واسنبغا مملوكي فساروا إليها وأقاموا بها ثم عادوا اه -.
قلت وبقيت هذه الحالة القلقة نحو عشر سنوات، ومن الغريب أن أبي الفداء لم يف خلالها بالواجب نحو من كان سبب ملكيته فلم يتوسط بإصلاح ذات البين وإزالة هذا الضيم عن صديقه مهنا إلى أن قام بذلك بعد مماته في سنة ٧٣٢ ابنه الملك الأفضل محمد، فإنه ذهب ونصح الأمير مهنا وأخذه معه إلى السلطان فرضي عنه وأعاد أمرته إليه ورجع إلى أهله. قال ابن خلدون: وذكر لي بعض أمراء الكبراء بمصر فيمن أدرك وفادة منها أول حدث بها إنه تجافى في هذه الوفادة قبول شيء من السلطان حتى إنه ساق عنده النياق الحلوبة والخيل العراب وإنه لم يغش باب أحد من أرباب الدولة ولا سأل منهم شيئاً من حاجته ثم رجع إلى أحيائه اه -.
قلت: وبعد أن زالت وحشة مهنا وأطمأن قضى ثلاث سنوات طيبة في شيخوخته أميراً على البادية كلها يكرم كلما ذهب إلى مصر إلى أن مات في سنة ٧٣٥. قال ابن الوردي في تاريخه: وحزن عليه وأقاموا مأتماً بليغاً ولبسوا السواد أناف على ثمانين وله معروف من ذلك مارستان جيد بسرمين. وقد أعقب مهنا ستة أولاد: موسى وسليمان وأحمد وفياض وجبار وقناره كما أن أخيه فضل أعقب ثلاثة: سيف وعيسى ومعيقل.