عقاب موسر قدير امتنع عن معونة جائع يشرف على الموت على أن في التقاليد والأخلاق ما يستهجن ذلك ويستقبحه، وكذلك شأن تاجر قوي ما برح يضارب خصمه الضعيف ويزاحمه حتى أفقده كل ما لديه من مال وأنزل به من ضائقات العيش ما حداه إلى اليأس القاتل، وإن كثيراً من رجال تعتبرهم الناس جناة آثمين وليس في القانون ما يوجب أخذهم بجريمتهم لأن الشارع لم يعد عملهم جرماً أو خطيئة، وكثيراً ما تحتوي القوانين على أحكام أهمل العمل بها أو حالت التقاليد وما جرى مجرى العادة دون تنفيذها أو العمل بمقتضاها. ومن جملة الأدلة التي يقيمونها أيضاً على بعد الشقة في كثير من الأحوال بين الحق والواقع هذا النقد الذي كثيراً ما يوجهه العلماء والكتاب والشعراء في الكتب والصحف وعلى المسارح إلى بعض الأحكام، فيعرضون طائفة من أمراض اجتماعية أهمل أمرها واضعوا القوانين وصنوفاً من مظالم أخلاقية قصرت النظم الموضوعة في تلافيها، وينددون في بكثير من مناحي القانون، مشيرين إلى عدم مطابقتها للواقع ولما يتفق مع الشفقة والعدل أو لما تتطلبه الأمة من أغراض ومثل عليا في حياتها مما يصح القول معه أن حقيقة الأوضاع الاجتماعية والأخلاقية في الأمة لا تظهر جلية واضحة في قوانينها بل في كتابة من يعترضون لنقد تلك القوانين وتنفيذها.
وإن كان هذا الفرق بين الحق والواقع لا يبرح ظاهراً حتى في جماعة قدم عهدها في نهضتها وفي تعديل قوانينها وإصلاحها وفي اتساع نطاق تقسيم الأعمال فيها فكيف يكون شأنه في جماعة لم يمض عليها زمن طويل في وضع قوانينها الحديثة وتعديل نظمها القديمة؟ لا شك أنه يكون أكثر ظهوراً وأشد خطراً. ويزداد هذا الفرق خطورة في جماعة اختلفت سكان بلادها في وجوه معاشهم وطراز حياتهم الاجتماعية والاقتصادية فكانوا ومنهم الحضريون سكان الأمصار، ومنهم الفلاحون أبناء الأرياف البعيدة، ومنهم الأعراب المتحضرون الساكنون في البيوت أو في المضارب أو المتنقلين في مشارق البادية ومغاربها. إن الحقوق وجدها في مثل هذه الجماعة لا يمكن أن تؤدي إلا صورة مبهمة تفرق كثيراً عن الواقع فلا تمثل إلا ناحية لا شأن لها من نواحي الحياة فيها. ودرس الواقع في مثل هذه الجماعة هو الأساس النهم في تفهم أوضاعها والوقوف على ما يجب معرفته من أهدافها وما يتطلبه تحقيق الأهداف من نظم وشرائع. ولعل أهم سبب في انصراف