وما يقال في الاشتراكية يقال أيضاً في الديمقراطية لم يمارسوا الفضائل والمزايا التي بها وحدها يمكن تحقيق هذه الفكرة. والأنظمة والتعاليم الجديدة التي تنتقد الديمقراطية أو تطمع في أن تقوم مكانها إنما تستفيد مما يزينها من بهجة التجدد وتستثمر حماسة أنصارها المؤسسين.
ولكن هذه أيضاً لابد أن يصبها بدورها الهرم وتبلى بالابتذال إذا لم يكن إتباعها قادرين على تجديدها وبالاختصار فإن المسألة الأساسية ليست الدعوة الكلامية لمختلف الكلمات المنتهية بحرفي (يه) - مثل ديمقراطية، اشتراكية، فاشستية - بل التفتيش عن الحقائق التي تشتمل عليها هذه الكلمات وفي الدرجة الأولى السؤال عن الأشخاص الذين يمارسونها. أما الوهم بأنه من الممكن استبدال مسؤولية الأشخاص الذاتية والاجتماعية بمسؤولية الدساتير والأشياء المفروضة فتلك فكرة ستوصلنا حتماً إلى الفوضى المطلقة. لأننا بحجة إدارة الأشياء نهمل إدارة الناس
وقد ضرب لنا المسيو (روميه) مثلاً لإيضاح أساس فكرته بصورة بارزة إذ تعرض إلى مسألة الاقتصاد المنظم الذي شاع في هذه المدة. فهو يقول بأنه من المؤسف الطمع في ذلك لأن المادة أو الاقتصاد لا يمكن أن تتصف بالحكمة والتدبير والشعور بثقل المسؤولية. ولذلك فأن إدارة الشؤون الاقتصادية يظهر عليها كأنها إنما اخترعت لتساعد على حماية المجرمين، ليس بتسهيل السبل لهم للتفكير عن ذنوبهم فحسب بل أيضاً لإعطائهم في ارتكابها.
يظهر أن هناك سوء تفاهم وجدالاً فارغاً حول الكلمات. وفي الحقيقة يجب أن لا نطلب من الأشياء ما لا يمكن تكليف غير الأشخاص به. على
أن عمل الإنسان إنما يظهر في الأشياء. وبهذا المعنى ينبغي أن يكون هناك اقتصاد منظم كما هو الأمر مع السياسة المنظمة أو مع الأشغال الخاصة والعامة المنظمة. فأن الأشياء، بصفتها غير عاقلة، لا يمكن أن تدير نفسها بنفسها بل أن الإنسان هو الذي يقوم بذلك. ومتى أهمل أمرها تحدث الفوضى والاضطراب.
فما هو إذن السبب في أن فكرة الاقتصاد المنظم تصادف في الوقت الحاضر ميلاً شديداً