ذلك لأننا قد شاهدنا نتائج سياسة عدم التنظيم. وترك الأمور تجري كما تريد فأن هذا قد انتهى بنا إلى الفوضى وهو السبب الأساسي في الأزمة الاقتصادية الحاضرة.
ولكن من جهة أخرى لاشك في أن مبدأ تدخل الحكومة في جميع شؤون الاقتصاد سيكون خطراً آخر في الظروف الحاضرة التي نرى فيها آثار التطور السياسي والاقتصادي السريع لأن هذا التدخل ربما يؤدي إلى عرقلة وقتل كل حياة وفعالية. وهذا هو السبب في أن النظر بين الاقتصاديين المجددين حقاً مثل (هنري دومان) قد أخذوا يعدلون عن المبادئ والتعاليم القديمة ويحاولون التوفيق بين العمل الشخصي وبين تدخل الحكومة. ولا يخلو من فائدة أن نشير إلى أن الحركات الفكرية الحاضرة التي ترمي إلى التعديل في مبدأ حرية الاقتصاد من جهة وفي الاشتراكية الماركسية من جهة ثانية إنما ترجع إلى أساس واحد فان كل واحد من الاتجاهين متمم للأخر، وغايتهما قلب الأشياء الأمر الذي لا يمكن أن يتم إلا من قبل الإنسان.
وكذلك يتبين بأن النظرية (السنت سيمونية) القائلة بضرورة حكم الإنسان إلى إدارة الأشياء لا يمكن قبولها على علاتها. نعم، إن مبدأ هذه النظرية هو الرغبة المحدودة التي ترمي إلى استبدال العمل الإرادي بالعلم ولكن الأشياء أيضاً إنما تدار في النتيجة من قبل الأشخاص ولذلك يجب السعي لجعل هؤلاء أهلاً ليكونوا مديرين أي أن يصبحوا حكاماً صالحين.
إننا، بعد هذه الملاحظات في تعريف الأشياء، لا نستطيع إلا الموافقة على آراء المسيو (لوسيان روميه) الأساسية. فأنه من الضروري تهذيب ومراقبة الأشخاص المسؤولين من الوجهة الأخلاقية ثم تأديبهم بل ومعاقبتهم. ولاشك في أنه من المتناقض في الإدارة أن نسعى لإصلاح الأشياء قبل المباشرة في إصلاح الأشخاص القائمين عليها وليس ما نراه من انحطاط الوجدان المسلكي، الذي أظهرت لنا الفضائح الأخيرة أمثلة مؤسفة له، إلا نتيجة لازمة لفقدان الأخلاق والتربية.
أما فيما يتعلق بالتربية بصورة خاصة فإن المسيو (روميه) يعطينا أحكاماً قطعية وهو يشبه من هذه الناحية (ارنست لاويس) قبله مع اختلاف زهيد في وجهة النظر إذ أنه يتكلم عن إهمال التربية وفقدانها ويقول لإثبات ذلك أن التربية الحاضرة عاجزة عن تهيئة الناشئة