للقيام بالمهمة الملقاة على عاتقها وغير قادرة على تكييف العقول والقلوب والإرادات وفقاً للانقلابات العظيمة التي تمت في العالم منذ القرن التاسع عشر.
وإذا تساءلنا عن هذه الانقلابات نرى المؤلف يبدي كل اهتمام تجاه انقلاب واحد أساسي حدث في النظام الاقتصادي وأخذنا اليوم نشعر بتأثيره ونرزخ تحت أثقاله وهو تحول الرأسمالية التي كانت قائمة على التوفير في البلاد القديمة إلى رأسمالية مغامرة تسعى وراء الصفقات المالية الكبيرة كما نراها في البلاد الناشئة جديداً.
إن النظام الرأسمالي الذي ساد الحياة الصناعية لم يكن حتى سنة ١٩١٤ ليخرج في اتساعه عن حدود ومقاييس القوى البشرية. لقد كان الربح هو الدافع والمحرك ولكنه كان مقيداً ضمن نطاق المبادئ الأخلاقية.
ويمكن أن نلخص صفات العمل والجهد الأوروبي قبل الحرب العامة بما يلي: التنافس والتسابق والاستقلال النسبي عن التقاليد وعدم التقيد بالغايات الاجتماعية بالنظر إلى التقلبات المادية، ثم وجود توفير مكتسب، مستقل شخصي أو عائلي والسعي وراء التقدم والتجديد في كل مشروع، وأخيراً الفردية في جميع المشاريع والثروات والمسؤوليات الاقتصادية.
ولكن بعد التطور المدهش الذي تم في بلاد ما وراء البحار وفي البلاد الأوروبية التي اقتدت بها قد أخذت الرأسمالية شكلاً يختلف كل الاختلاف عن السابق. فأنها عوضاً عن التمسك بفكرة التوفير والاقتصاد نراها قد التفتت إلى المضاربة والمصافقة. وهكذا صارت المصارف هي التي تسيطر على الصناعة وتملي عليها قوانينها كما أن المال هو الذي تولى الحكم على الإنتاج. وها هي رؤوس أموال التوفير حيث لم تبدد وظلت محافظة على شيء من أهميتها قد أصبحت بعد عشر سنوات فقط من الحرب، كأنها حطمت من قبل رؤوس أموال المضاربة فهي مرغمة على مشاركة هذه الأخيرة في الخسائر وعاجزة عن الدفاع عن نفسها.
إن هذا التطور كان ضرورياً لا يمكن اجتنابه إلى حد معين. وهو لم يكن وخيماً من كل الجهات. إلا أنه كان ينبغي للسيطرة عليه وإدارته أن يتلاءم مع واجبات الأخلاق والتربية. وهذا ما لم يحدث. ولهذا فأن المدينة الحاضرة قد اعتراها التزييف والخلل من جراء