للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

أعلموا إذاً يا تلاميذ هذا اليوم، إن العالم ما هو إلا خطبة طويلة مبهمة معقدة مرت عليها الأجيال دون أن يكون هنالك من يجيب عليها.

هناك كائن غريب يريد أن يقول للبشر شيئاً، ولكنه لا يتكلم بلغة البشر قط. كائن يعبر عن ذاته بالرموز، وبواسطة ظواهر الأشياء والحادثات، الكون خطبته الأزلية، والأرض والشمس والنبات كلمته الغامضة التي تدوي جيلاً بعد جيل دون أن يسمعها أو يدركها إنسان.

ولهذا السبب، لا تجهدوا أنفسكم بالبحث عن غيره، تتكرر هذه الخطبة، فيسمع منها كل إنسان حي الأشياء ذاتها، والأشياء الأبدية لا يمكن أن تتغير والعالم جامد كخطاب دائم التكرار، لأن ليس بينكم من يسمعه، ولأنكم جميعاً بكم لا تستطيعون الكلام.

أنكم تنظرون إلى العالم، فتنسخوه، وتسخروه في حاجات وجودكم ولكنكم لا تفكرون بسماعه قط. إنه لا يخطر في بال واحد منكم أن العالم يكلمكم وإنه يقصدكم وينتظر جوابكم. أنتم تعتبرون العالم مستودع بضائع، أو أرضاً للحراثة أو مقاماً يسعد الإنسان فيه أو يشقى. ولم تفكروا ولو مرة واحدة أن للعالم صوتاً.

صوتاً يكرر بإلحاح مطالب كثيرة، صوتاً يريد أن يصل إلى أسماعكم بل إلى أعماق نفوسكم، وهو صوت بائس تعب يستغيث ويتوسل طالباً جوابكم.

لأي سبب تظنون أن الشحارير تردد دائماً الأغاني نفسها، والضفادع لا تبدل أنغامها الكئيبة، والرياح لا تغير ألحانها العاصفة والمياه خريرها البارد الأبدي؟ وإلى أي نهاية تظنون السنونو يرسم في طيرانه الخطوط التي لا تعد، والشمس التي تمر في كل يوم من فوق رؤوسنا على مهل متبعة نفس الطريق منذ ابتداء الأزمان؟؟ وما هي في عرفكم غاية الأشجار التي تزدهي في كل ربيع بالألوان ذاتها.

إن كل ما يبدو ويتلاشى ثم يعود فيبدو من جديد، ما هو إلا قسم من هذا وعبارات تردد. لأن الذي يكلمكم صبور حليم لا يعد صمتكم وسكوتكم إهانة له. إنه يردد ويكرر إلى اللانهاية مطلبه منكم آملاً باليوم الذي سيمكنكم أن تجيبوه فيه، وفي هذا اليوم، اليوم الذي تجيبون فيه، ينتهي هذا العالم المتشابه وتنتهي معه حياتكم المملة المفعمة بالسآمة والضجر وعندئذ يبتدئ خطاب جديد، وتخلق أرض جديدة وسماء جديدة، وبشر جديد لأفراده قوة

<<  <  ج: ص:  >  >>