الذين كفونا مؤونة التفكير وبسطوا بيد خفيفة ستاراً براقاً على صعوبة الأشياء.
لقد أجاز فاليري لنفسه حينما نظم الشعر أن يكون غامضاً أو بالأحرى موسيقياً
كما أجاز ذلك لبقية الشعراء ولكنه إذا أراد أن يكتب نثراً أو إذا حاول أن يبني أفكاراً متسلسلة تعمد الدقة في الكتابة فهو لا يستعمل الكلمة قبل التحقق من معناها التام وتعريفها الشامل والخلاصة إنه يريد أن يكون لكتابته نصيب من الدقة يعادل نصيب الأعداد من الدقة الرياضية.
وهكذا ترى أنه لاشيء يوقف فاليري في جهاده في سبيل الدقة لأن جهاده الفكري هذا ينطوي على شجاعة وثبات نادري المثال فهو لا يقبل الحقائق السهلة ولا تخدعه الآراء العامة ولا يعترف بسلطة الأخصائيين فهو يلقى عن نفسه إزاء كل مسألة هذا السؤال:
ماذا يعني تماماً الشاعر والكاتب؟
وهو شديد الشبه بديكارت إذ ينقب في كل بحث ويفرض على نفسه هذا الشك المنظم وأراني مخطئاً بقولي بفرض لأن هذا الشك من مميزات فاليري وخاصة من خواص عبقريته النادرة المثال.
فاليري والتاريخ
أساء فاليري الظن كما رأينا بالآداب والكتاب والفلسفة وقال إنها نوع من الهذر لا ترتكز على شيء من الحقيقة وأخيراً أساء الظن بكل ما فرضه عليه الغير من الحقائق الجاهزة التي سلم بها معظم الناس.
والتاريخ من الحقائق الرسمية التي يخشاها فاليري فكان فاليري أحد الذين قاموا ضد النظريات المعروفة بالقوانين التاريخية وهي التي تنص أنه في أمكاننا استنتاج المجهول من المعلوم أي الاستدلال من الماضي عن حوادث المستقبل فيرى فاليري أن التاريخ من ١ - الفنون التي ابتدعها العقل الإنساني ولا شيء يوازي خطره على سير الحضارات الإنسانية فهو يدفع الشعوب إلى التنعم بالماضي ويسكرهم بحوادثه الخداعة الكاذبة ويقلق راحتهم ويدفعهم نحو هذيان العظمة أو الاضطهاد ويجعل الشعوب المغلوبة صعبة القياد. ويعتقد فاليري أيضاً أنه من الجنون الصرف أن يؤمن في استطاعة التاريخ إطلاعنا على حوادث المستقبل ولم يتردد فاليري في خطابه في حفلة توزيع الجوائز على طلبة إحدى