للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

ولم يعنف الطرفين على ما فعل (١) .

قال الشافعي: «قال: فما الاختلاف المحرم؟ قلت: كل ما أقام الله به الحجة في كتابه أو على لسان نبيه منصوصًا بينًا لم يحل الاختلافُ فيه لمن علمه، وما كان من ذلك يحتمل التأويل ويدرك قياسًا، فذهب المتأول أو القايس إلى معنى يحتمله الخبر أو القياس، وإن خالفه فيه غيره، لم أقل: إنه يضيق عليه ضيق الخلاف في المنصوص» (٢) .

وقد استدل الشافعي على أن الاختلاف مذموم فيما كان نصه بينًا بقوله تعالى: {وَمَا تَفَرَّقَ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ إِلا مِنْ بَعْدِ مَا جَاءَتْهُمُ الْبَيِّنَةُ} [البينة: ٤] ، وقوله تعالى: {وَلا تَكُونُوا كَالَّذِينَ تَفَرَّقُوا وَاخْتَلَفُوا مِنْ بَعْدِ مَا جَاءَهُمُ الْبَيِّنَاتُ وَأُولَئِكَ لَهُمْ عَذَابٌ عَظِيمٌ} [آل عمران: ١٠٥] .

وقد عد ابن تيمية ذلك من أسٍباب الاختلاف بين العلماء فقال:

«.......وتارة يختلفون في كون الدلالة قطعية لاختلافهم في أن ذلك الحديث: هل هو نص أو ظاهر؟ وإذا كان ظاهرًا فهل فيه ما ينفي الاحتمال المرجوح أو لا؟» (٣) .

ثالثًا: ألا تكون المسألة المجتهد فيها من مسائل العقيدة، فإن الاجتهاد والقياس خاصان بمسائل الأحكام على النحو الذي سبق بيانه في القياس (٤) .

قال ابن عبد البر: «قال أبو عمر: لا خلاف بين فقهاء الأمصار وسائر أهل السنة - وهم أهل الفقه والحديث - في نفي القياس في التوحيد وإثباته في الأحكام، إلا داود بن علي بن خلف الأصبهاني ثم البغدادي (٥) ومن قال بقوله


(١) انظر: "مجموع الفتاوى" (٣/٣٤٤) .
(٢) "الرسالة" (٥٦٠) .
(٣) "مجموع الفتاوى" (٢٠/٢٥٩) .
(٤) انظر (ص١٨٣، ١٩٤) من هذا الكتاب.
(٥) هو: داود بن علي بن خلف الأصبهاني ثم البغدادي، الفقيه المشهور بالظاهري، وكان صاحب مذهب مستقل، وتبعه جمع يعرفون بالظاهرية، وكان ولده أبو بكر محمد على مذهبه، توفي سنة (٢٧٠هـ) . انظر: "وفيات الأعيان" (٢/٢٥٥) ، و"شذرات الذهب" (٢/١٥٨) .

<<  <   >  >>