للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

ب- أن العقل لا يستقل بنفسه، بل هو محتاج إلى الشرع الذي عرفناه ما لم يكن لعقولنا سبيل إلى استقلالها بإدراكه أبدًا، إذ العقل غريزة في النفس وقوة فيها بمنزلة قوة البصر التي في العين، فإن اتصل به نور الإيمان والقرآن كان كنور العين إذا اتصل به نور الشمس والنار.

وإن انفرد بنفسه لم يبصر الأمور التي يعجز وحده عن دركها (١) .

جـ- أن العقل مصدق للشرع في كل ما أخبر به دال على صدق الرسول - صلى الله عليه وسلم - دلالة عامة مطلقة، فالعقل مع الشرع كالعامي مع المفتي، فإن العامي إذا علم عين المفتي ودل غيره عليه وبين له أنه عالم مفتٍ، ثم اختلف العامي الدال والمفتي، وجب على المستفتي أن يقدم قول المفتي، فإذا قال له العامي: أنا الأصل في علمك بأنه مفتٍ فإذا قدمت قوله على قولي عند التعارض، قدحت في الأصل الذي به علمت أنه مفتٍ، قال له المستفتي: أنت لما شهدت بأنه مفتٍ ودللت على ذلك، شهدت بوجوب تقليده دون تقليدك، وموافقتي لك في قولك إنه مفتٍ، لا يستلزم أن أوافقك في جميع أقوالك، وخطؤك فيما خالفت فيه المفتي الذي هو أعلم منك، لا يستلزم خطأك في علمك بأنه مفتٍ.

هذا مع أن المفتي يجوز عليه الخطأ، أما الرسول - صلى الله عليه وسلم - فإنه معصوم في خبره عن الله تعالى لا يجوز عليه الخطأ، فتقديم قول المعصوم على ما يخالفه من استدلال عقلي، أولى من تقديم العامي قول المفتي على قول الذي يخالفه.

وإذا كان الأمر كذلك فإذا علم الإنسان بالعقل أن هذا رسول الله - صلى الله عليه وسلم -، وعلم أنه أخبر بشيء ووجد في عقله ما ينازعه في خبره، كان عقله يوجب عليه أن يسلم موارد النزاع إلى من هو أعلم به منه (٢) .

د- أن الشرع دل على الأدلة العقلية وبينها ونبه عليها (٣) .

وذلك كالأمثال المضروبة التي يذكرها الله في كتابه، التي قال فيها: {وَلَقَدْ ضَرَبْنَا لِلنَّاسِ فِي هَذَا الْقُرْآنِ مِنْ كُلِّ مَثَلٍ} [الروم: ٥٨] ، فإن الأمثال المضروبة هي


(١) انظر: "مجموع الفتاوى" (٣/٣٣٩) ، و"الصواعق المرسلة" (٢/٤٥٨، ٤٥٩) .
(٢) انظر: "درء التعارض" (١/١٣٨، ١٣٩، ١٤١) ، و"الصواعق المرسلة" (٣/٨٠٨، ٨٠٩) ، و"شرح العقيدة الطحاوية" (٢١٩) .
(٣) انظر: "درء التعارض" (١/٢٨، ٢٩) ، و"الصواعق المرسلة" (٢/٤٦٠ – ٤٩٧) .

<<  <   >  >>