التقليد ودرجة عوام الناس بل أكثرهم، وإذا كان هذا فالواجب تقليد العالم الموثوق به في ذلك، فإذا كثر العلماء فالأعلم، وهذا حظ المقلد من الاجتهاد لدينه، ولا يترك المقلد الأعلم ويعدل إلى غيره وإن كان مشتغلاً بالعلم فيسأل حينئذ عما لا يعلم حتى يعلمه. قال تعالى:{فَاسْأَلُوا أَهْلَ الذِّكْرِ إِنْ كُنْتُمْ لَا تَعْلَمُونَ}[الأنبياء: ٧، النحل: ٤٣] وأمر النبي - صلى الله عليه وسلم - بالاقتداء بالخلفاء (١) بعده وأصحابه وقد بعث النبي - صلى الله عليه وسلم - أصحابه في الناس ليفقهوهم في الدين ويعلموهم ما كتب عليهم. وإذا كان هذا الأمر لازماً فأولى من قلده العامي الجاهل والطالب المسترشد والمتفقه في دين الله فقهاء أصحاب رسول الله -صلى الله عليه وسلم - الذين أخذوا عنه الأمر وعلموا أسباب نزول الأوامر والنواهي وشاهدوا قرائن الأمور وثاقفوا في أكثرها النبي - صلى الله عليه وسلم - واستفسروه عنها مع ما كانوا عليه من صفة العلم ومعرفة معاني الكلام وتنوير القلوب وانشراح الصدور فكانوا أعلم الأمة بلا مرية وأولاهم بالتقليد، لكنهم لم يتكلموا من النوازل إلا في اليسير مما وقع، ولا تفرعت عنهم المسائل ولا من الشرع إلا في قواعد ووقائع، وكان أكثر اشتغالهم بالعمل بما علموا والذب عن حوزة الدين وتوطين شريعة المسلمين، ثم بينهم في الاختلاف في بعض ما تكلموا فيه مما يُبقي المقلد في حيرة ويحوجه إلى نظر وتوقف. وإنما جاء التفريع وبسط الكلام فيما يتوقع وقوعه بعدهم فجاء التابعون فنظروا في اختلافهم وبنوا على أصولهم، ثم جاء من بعدهم من العلماء من أتباع التابعين والوقائع قد كثرت، والفتاوى قد تشعبت فجمعوا أقاويل الجميع وحفظوا فقههم وبحثوا عن اختلافهم واتفاقهم وَحَذِرُوا انتشار