مسعود وعمر وزيد بن ثابت وأبي الدرداء وأبي بن كعب، ثم شافهت الستة فوجدت علمهم ينتهي إلى علي وابن مسعود. شهد المشاهد كلها مع النبي - صلى الله عليه وسلم - إلا تبوك فإنه استخلفه فيها على المدينة وقال له:"أنت مني بمنزلة هارون من موسى إلا أنه لا نبي بعدي" وفي البخاري "أما ترضى أن تكون مني بمنزلة هارون من موسى" وزوّجه - صلى الله عليه وسلم - ابنته فاطمة سيدة أهل الجنة، ولما نزل قوله تعالى:{وَتَعِيَهَا أُذُنٌ وَاعِيَةٌ}[الحاقة: ١٢]، قال النبي - صلى الله عليه وسلم -: "اللهم اجعلها أذن علي" قال علي - رضي الله عنه -: ما نسيت بعد ذلك شيئاً. وله من العلم والشجاعة والحلم والزهد والورع وكرم الأخلاق ما لا يسعه كتاب. وبالجملة فإن فضائله كثيرة قد جمعها الناس ودوّنوها وأجمعها لنعته ما وصفه به ضرار الصدائي إذ قال له معاوية: صف لي علياً، فقال: اعفني يا أمير المؤمنين، قال: لتصفنه، قال: أما إذا لا بد من وصفه: "فكان والله بعيد المدى، شديد القوى، يقول فصلاً ويحكم عدلاً، يتفجر العلم من جوانبه وتنطق الحكمة من نواحيه، يتوحش من الدنيا وزهرتها ويأنس بالليل ووحشته، وكان غزير العبرة طويل الفكرة، يعجبه من اللباس ما قصر ومن الطعام ما خشن، كان منبئاً كأحدنا يجيبنا إذا سألناه وفينا إذا استنبأناه، ونحن والله مع تقريبه إيانا وقربه منا لا نكاد نكلمه هيبة له، يعظم الدين ويقرب المساكين، لا يطمع القوي في باطله ولا ييأس الضعيف من عدله. وأشهد بالله لقد رأيته في بعض مواقفه وقد أرخى الليل سدوله قابضاً على لحيته يتململ تململ السليم -أي اللديغ- ويبكي بكاء الحزين ويقول: يا دنيا غري غيري، إليّ تعرضت أم إلى تشوفت؛ هيهات هيهات قد طلقتك ثلاثاً لا رجعة لي فيك، فعمرك قصير وحظك قليل، آه آه من قلة الزاد وبُعد السفر ووحشة الطريق". فبكى معاوية وقال: رحم الله أبا الحسن كان والله كذلك فكيف حزنك عليه يا ضرار؟ فقال: حزن مَن ذبح ولدها في حجرها.
[الكلام على الفتنة]
اعلم أن الفتنة المذكورة هي فتنة عثمان وعلي وطلحة والزبير ومعاوية التي تحزّب فيها المسلمون أحزاباً كل حزب بما لديهم فرحون وهي الفتنة التي يقف دونها عقل الحكيم حائراً بين الإقدام على خوض عبابها واستكناه كنه خباياها وبين الإحجام عنها وإلقاء أخبارها على علاتها وغض الطرف عما انطوى في ثناياها لا لأنها أول بادرة بدرت في الملك وفتنة ظهرت في الدول كلا إن قيام الدول واستصفاء الملك إنما يتم