إشغال العرب بالحرب وزجهم في مضمار الفتح ليأنسوا بأصول الاجتماع والحضارة وتتبدل أخلاقهم الجافية وتزول من نفوسهم أسباب التنافر والانتماء إلى العصبية الداعية إلى الشقاق والفرقة.
بسط المسلمون على عهده يد السلطة على الشرق واستفتحوا أغلاق الكنوز وملكوا ما ملكوا من البلاد ومع هذا فلم تأخذهم الدنيا بزخارفها ولم يغرهم الغنى والسلطان بالنعيم ولم يبطرهم المال ولم تخط بهم الحضارة إلا خطى قليلة إلى الأمام فكانوا وسطاً في المعيشة في كل الأمور لأن عمر رضي الله عنه يريدهم على البطء في السير في طريق الترقي ويحملهم على التوسط في العيش فلا يمنعهم منعاً ولا يدفعهم دفعاً اللهم إلا الأمراء والعمال فإنه كان يحملهم على طريقته في التقشف وشظف العيش. وبالجملة فإن الحالة الاجتماعية على عهد عمر رضي الله عنه على حداثة عهد أهلها في تسنم ذرى الارتقاء تمثلها سيرته في قالب الجد والاستقامة والعزيمة وتظهرها لديك في مظهر النهوض إلى ارتقاء قمم المجد التي انتهى إليها المسلمون فيما بعد بسيرهم سيراً حثيثاً مدة تزيد عن جيلين وقفوا بعدها وقفة المستريح من وعثاء السفر الشاق المتلذذ بجني ثمرات الجد والنشاط والعمل وهكذا حتى تغير الحال وانقلب الجد والنشاط إلى فتور وإهمال.
[فضائل عثمان رضي الله عنه]
هو الخليفة الثالث أمير المؤمنين سيدنا عثمان بن عفان القرشي الأموي. تقدم ذكر نسبه في صدر المقصد يكنى أبا عمرو وأبا عبد الله لم يختلف في صحة خلافته وكان من حديثها ما هو مسطر في كتب السنة وغيرها في البخاري في باب قصة البيعة والاتفاق على عثمان بن عفان عن عمرو بن ميمون ونص محل الحاجة منه قال: قال عمر رضي الله عنه لابنه عبد الله: انطلق إلى عائشة أم المؤمنين فقل: يقرأ عليك عمر السلام ولا تقل أمير المؤمنين فإني لست اليوم للمؤمنين أميراً وقيل: يستأذن عمر بن الخطاب أن يدفن مع صاحبيه فسلم واستأذن ثم دخل عليها فوجدها قاعدة تبكي فقال: يقرأ عليك عمر بن الخطاب السلام ويستأذن أن يدفن مع صاحبيه، فقالت: كنت أريده لنفسي ولأؤثرنه به اليوم على نفسي. فلما أقفل قيل: