يعلم أن مملكة غرناطة نظراً لما كانت عليه من الأمور الجليلة تستحق أن تعتبر في التاريخ من الممالك الشريفة لكن ساء حظها حيث لم يكن توارث سلطنتها مقرراً على قواعد متينة فتولاها بعد الملوك الجديرين الذين يتعجب الأجيال المتغلبة من عدلهم وحسن سياستهم ملوك جبابرة ليسوا بكفء للسلطنة التي عجلوا زوالها من الأندلس ولا حاجة لذكر سلسلة هؤلاء الملوك وسيأتي ذكر هذا الزوال والملك لله ذي العزة والجلال.
تنبيه: من أعيان العلماء المعاصرين لهؤلاء الأمراء ابن التين والبرجيني وابن شقر والبرقي والمسراتي والرعيني السوسي.
[الطبقه الرابعة عشر]
لما هلك أبو زكرياء بايع الملأ ابنه محمداً ولقبوه بالمستنصر ودعوه بالأمير واشتهر بالفضل والاعتدال وحسن السيرة والعلم وحميد الخصال وطار صيته في الآفاق وكان العلم في أيامه بحراً زاخراً وقمراً باهراً وعلت دولته ومدت إليه ثغور القاصية يد الاعتصام واجتمع بحضرته من أفاضل أعلام العلماء الوافدين عليه وعلى أبيه وخصوصاً الأندلس من شاعر مفلق وكاتب بليغ وعالم نحرير وملك أورع متفيئين ظل مملكته لائذين به منهم حازم ومدحه بمقصورته المشهورة وأبو الحسن بن سعيد وابن الأبار وأضرابهم وأبو محمَّد عبد الحق بن برطلة وقد عليه ببيعة أهل مكة شرفها الله وتلا قصيدة من إنشاء أبي محمَّد عبد الحق بن سبعين الصوفي المشهور ووقف القاضي أبو القاسم بن البراء المذكور على منبر جامع الزيتونة يوم قراءتها موقفاً مشهوراً وذلك سنة ٦٥٩ هـ واتسع ملكه وقوي سلطانه وأباد مخالفيه وقيل في هاته البيعة:
اهنأ أمير المؤمنين ببيعة ... وافتك بالإقبال والإسعاد
فلقد حباك بملكه رب الورى ... فأتى يبشر بافتتاح بلاد
وإذا أتت أم القرى منقادة ... فمن المبرة طاعة الأولاد
وفي السنة قبلها قبض على ابن الأبار المذكور وكان كاتباً له ولأبيه من قبله وأمر بقتله وحرق جثته وتآليفه وكتبه وفي سنة ٦٥٩ هـ قبض أيضاً على وزيره الفقيه العالم أحمد بن اللياني شارح المدونة ومات تحت العذاب وأحرق جثته والكمال متعذر إلا فيمن عصمه الله وغزاه صاحب فرنسا سان لويز الغزوة الشهيرة آخر سنة ٦٦٨ هـ ونزل قرطاجنة واستوسع فيها بجنوده وذخائره وعظم الخطب على أهل تونس