وإلا رجعنا إلى ما كنا عليه. ثم اجتمع عمرو بالمقوقس وكتبوا الصلح بأن يعطوا الأمان للمصريين وهم يدفعون الجزية. ولما استتب لعمرو الأمر بمصر صار إلى برقة وتسمى قديماً أنطابلس وهي واقعة بين مصر وطرابلس الغرب ومن فرضها الشهيرة بنغازي فصالحه أهلها على الجزية وصار إلى طرابلس الغرب ففتحها وكتب إلى الخليفة عمر رضي الله عنه: أما بعد، إنا قد بلغنا طرابلس وبينها وبين إفريقية تسعة أيام فإن رأى أمير المؤمنين أن يأذن لنا في غزوها فعل. فنهاه عمر وولى على برقة عقبة بن نافع الفهري. هاته خلاصة أخبار هذا الفتح في خلافة عمر رضي الله عنه.
تنبيه: اعلم أن العرب أمة حربية قل أن يماثلها في ذلك العصر شعب من الشعوب في الشجاعة والإقدام والتعود على أساليب القتال لدأب أفرادها منذ نعومة الأظفار على الفروسية وتعلم فنون الحرب وائتلافهم للقتال وحبهم للغارة التي تقتضيها حالهم الاجتماعية وعوائدهم البدوية إلا أنه كانت تنقصهم الجامعة والعدة أي آلات الحرب فكانوا مع كونهم أمة واحدة من جنس واحد قبائل متفرقة الأهواء والمنازع يقاتل بعضهم بعضاً ويثب بعضهم على بعض ولم يكن عندهم من آلات الحرب والقتال وأنواع السلاح إلا الرمح والسيف والدرع والسهم ولم يكن لعامتهم حظ بالجيد من أنواع هذا السلاح لفقرهم وربما كان أجودهم سلاحاً أهل اليمن لخصب أرضهم وتقدم بلادهم في الحضارة وعراقتهم في الملك من عصور التبابعة ولذلك كان الفرس في واقعة القادسية يشبهون سهام العرب بالمغازل لدقتها وسذاجة صنعها، ولما جاء الإسلام جمع هذه الأمة على كلمته وضم قبائلها إلى رايته فلم يلبثوا أن دبّ فيهم روح الاجتماع وشعروا بالحاجة إلى الطاعة والانقياد والتكاتف والاتحاد وكان من ذلك أن خضدوا شوكة الدولتين فارس والروم لما دفعهم أبو بكر وعمر إلى قتال الأمم وفتح الممالك وأظهروا في قتال جنود الدولتين من التفنن في أساليب الحرب والتعود على الطعن والضرب ما رأيت فيما تقدم مما جعل النصر حليفهم والقوة رائدهم في كل مكان.
فمن ذلك أنهم كانوا لا يقتحمون جنداً ولا يمعنون في داخل البلاد ما لم يجعلوا وراءهم ردءاً أي مدداً يحمي ظهورهم ويؤمن طريق الرجعة ولا يمكن العدو من أن يقطع على موادهم.
ومنها أنهم كانوا لا يحاصرون مدينة ما لم يقطعوا عنها طرق المواصلة مع جيش العدو.