عمر نفراً من أصحابه منهم عبد الرحمن بن عوف بالمبيت فيه ودخل منزله فاتبعه السائب بالسفطين وهي جوهر ثمين وأخبره خبرهما وأن الناس رضوا بأن يكونا له. فقال له عمر: يا مُليكة والله ما دروا هذا ولا أنت معهم فالنجاء النجاء عودك على بدئك حتى تأتي حذيفة فيقسمهما على من أفاءهما الله عليه. فأقبل راجعاً حتى انتهى إلى حذيفة فباعهما فأصاب أربعة آلاف ألف (أربعة ملايين) وذلك غاية في عفة عمر رضي الله عنه.
قلت: وأخلاقه رضي الله عنه كأخلاق الأنبياء عليهم السلام الذين استهانوا بالدنيا ومتاعها وفي قصة الهرمزان الآتية قريباً ما يصدق ذلك، فإنه لما رأى عمر رضي الله عنه ورأى ما رأى من أخلاقه قال: إن عمر ينبغي أن يكون نبياً. فقالوا: ليس بنبي ولكنه يعمل عمل الأنبياء. فقد بان لك من تلك المقالة أخلاق هذا الخليفة العظيم الذي دوّخ ملك فارس والروم وأرهبت سطوته الأمم وامتد ظل سلطانه إلى حدود الهند شرقاً وإفريقية الشمالية غرباً ومنحه الله هذا الملك العريض والسلطان ومع هذا فإنه لا يرضى لنفسه منزلة فوق منزلة الناس حتى من أدنى رعاياه وإن هذا لهو العدل الذي ليس فوقه عدل، فبمثل ذلك عظم قدره وشاع ذكره وملأ الأذهان خبره حتى عده المؤرخون من أعظم رجال الإِسلام وحتى أننا لنفخر به على ملوك الأرض رضي الله عنه وأرضاه.
[رجوع إلى خبر الهرمزان]
تقدم أن الهرمزان نزل من القلعة التي تحصن بها بامان على حكم أمير المؤمنين وبعد نزوله أوفد أبو سبرة إلى المدينة وفداً فيهم أنس بن مالك والأحنف بن قيس ومعهم الهرمزان فلما اقتربوا من المدينة ألبسوه حلته الملوكية وتاجه، ودخلوا به المدينة ليراه المسلمون على هاته الصفة وانطلقوا إلى المسجد يطلبون أمير المؤمنين فوجدوه نائماً في ميمنة المسجد متوسداً برنسه فجلسوا دونه وليس في المسجد غيره فقال الهرمزان: أين عمر؟ فقالوا: هو ذا. فقال: أين حرسه وحجابه؟ فقالوا: ليس له حارس ولا حاجب ولا ديوان، فقال: ينبغي أن يكون نبياً، فقالوا: يعمل عمل الأنبياء، وكثر الناس فاستيقظ عمر بالجلبة فاستوى جالساً ثم نظر إلى الهرمزان فقال: الهرمزان؟ فقال: نعم، فتأمله وتأمل ما عليه وقال: الحمد لله الذي أذل بالإِسلام هذا، يا معشر المسلمين تمسكوا بهذا الدين واهتدوا بهدي نبيكم ولا تبطرنكم الدنيا فإنها غرّارة. هيه يا هرمزان كيف رأيت وبال الغدر وعاقبة أمر الله. فقال: يا عمر، إنا وإياكم في الجاهلية كان الله قد خلّى بيننا وبينكم فغلبناكم إذ لم