ريكرلوس على جيوش قرطاجنة قرب رادس ثم انتصار قرطاجنة قرب تونس ووقوع هذا القنصل أسيراً ببد قرطاجنة وانتهت هاته الحروب بصلح تعالى قرطاجنة في شروطه ثم رجعت الحرب بين الدولتين أعظم من الحروب المتقدمة وانتهت باستيلاء الرومان على تونس وصارت متابعة لرومة بعد صلح شروطه مهينة لقرطاجنة ثم أخذ الرومان في الاستيلاء شيئاً فشيئاً حتى استولى على كامل إفريقية وأفضى الحال إلى اضمحلال قرطاجنة وذهاب مهابة الدولة ومن أعظم الأسباب على ذهابها انضمام البربر إلى جيوش الروم.
[الطور الثاني]
دولة الرومان واستيلاؤها النهائي كان سنة ١٤٦ هـ قبل المسيح وأول شيء فعلته مع القرطاجنيين بعد تلك الوقائع والضغائن المتقدمة إبقاء ما كان على ما كان من حكومة وترتيب وتدين وغير ذلك وساروا معهم سيرة حسنة، وبذلك انقاد القرطاجنيون للرومان وصارت عوائدهم وطبائعهم واحدة وحصل بذلك الأمن والراحة، وفي مدتهم كانت إفريقية لنظر قنصل عام بولاية الأمبراطور تحت رياسة حكام آخرين من الرومان وظيفتهم مراقبة المدن وعروش البربر التي كانت أحكامها بيد عمال البربر وحماية البلد كانت منوطة بقوة كافية من العساكر بقرطاجنة لتمهيد الراحة لنظر قائد روماني بولاية من الأمبراطور أيضاً. ولما رسخ قدم هاته الدولة أخذت بجد واجتهاد في السعي بما يوجب عمران إفريقية فشيدوا المدن والهياكل الضخمة كقصر أجم ومرسم دقة وآثار قرطاجنة واعتنوا اعتناءً زائداً بالفلح من زراعة وغراسة وجلب المياه وحفر الآبار وأساليب الري واستخراج المعادن وغير ذلك من الوسائل الموصلة إلى العمران والمنافع الكبيرة حتى صارت إفريقية مصدراً للحبوب والغلال تجلب محصولاتها إلى سائر الجهات الرومانية وصاروا يسمونها مطمورة الرومان، وحصل بذلك عمران عظيم في إفريقية قيل إنها كانت في ذلك الوقت تحتوي على ستة ملايين من السكان ومن ملوك هاته الدولة فرنسا الذي نقل كرسي مملكته إلى قسطنطينية ثم اغتصب منه الملك جيوش مع بقائه تحت الرومان، ثم ظهر أغسطوس واستولى على الملك وعلى عهده ولد المسيح وكان محباً للعلم وأهله عادلاً في رعيته. قيل إنه يعرض عزل نفسه كل عام على رعيته فلا يرضون بغيره ثم بعده جوفاوا قام في الملك نحو خمسين عاماً. وفي هاته المدة أخذ دين المسيح في الظهور بإفريقية بعد أخذه في الانتشار بالمشرق وأوروبا، واستمرت إفريقية في السعادة ونمو العمران مدة ثلاثة قرون بعد المسيح وكانت سيرة ملوكهم سيرة عدل