لما توفي محمَّد المنتصر بويع لأخيه أبي عمرو عثمان، ولما استقام أمره خالفه الأعراب وحاصروا الحاضرة وله حروب مع الثائرين وأخيراً كان الظفر حليفه واستقام أمره وهو اخر رجال دولة بني أبي حفص وتتمة أنجادهم وفرسان جدالهم وصاحب المآثر الباذخة مثل ميضاته المعروفة إلى الآن بميضاة السلطان جو في جامع الزيتونة وإتمام مدرسة أخيه المنتصر ومدرسة جوار مقام الشيخ محرز وخزائن الكتب بالمقصورة الشرقية من جامع الزيتونة وغير ذلك مما عفت رسومه. وبالجملة فهو ختام الدولة الحفصية ونظام المحاسن الفاخرة بلاد إفريقية. وتوفي أواخر رمضان سنة ٨٩٣ هـ وعلى عهده سنة ٨٧٢ هـ كان وباء جارف بلغ مَن مات به في اليوم أربعة عشر ألفاً وعلى عهده كانت وفاة الشيخ فتح الله العجمي في شوال سنة ٨٤٧ هـ وكان انتهاء تاريخ الزركشي سنة ٨٨٢ هـ.
[فصل]
تقدم أن الطاغية الإسباني استولى على معظم الأندلس أواسط المائة السابعة وانحاز المسلمون إلى غرناطة وجنوب الجزيرة، وبعد ذلك صارت هاته الجهة محل مطامع هذا العدو، والأمراء المسلمون هناك إلى الانقسام والتنافر وتعارض الأغراض والشهوات من الأمراء والثوار بتلك الجهات الذين لم يعتبروا ما في الانقسام من المضار وفعلاً وقع فإن الطاغية اغتنم الفرصة وأخذ في محاصرة جهات غرناطة. ولله در خاتمة أدباء الأندلس أبي الطيب الشريف الرندي، إذ قال يندب بلاد الأندلس، ويحرك العزائم من أهل الإِسلام لنصرة الدين؛ القصيدة المشهورة التي أولها:
لكل شيء إذا ما تمّ نقصان ... فلا يغر بطيب العيش إنسان
وقد ألف في الغرض العالم النحرير الوزير الشهير أبو يحيي بن عاصم كتاباً سماه "جنة الرضى في التسليم بما قدر وقضى" وهو كتاب مفيد عجيب ومضى الكلام على هذا في المقصد في ترجمة هذين الشيخين. وجرت أمور وحروب بين المسلمين والطاغية حتى استولى على ما بقي بالأندلس شيئاً فشيئاً فكان الاستيلاء على مالقة سنة ٨٩٣ هـ وعلى غرناطة والحمراء سنة ٨٩٧ هـ بعد حصار أصاب المسلمين فيه شدة الجوع وتكاثر الكروب وتفاقم الخطوب فكاتبوا الطاغية في الصلح واشترطوا شروطاً وهي سبعة وستون شرطاً منها التأمين على النفس والمال