من كون المجتهدين فيهم وعند ذلك لا يكون مع اجتماعهم على هذا القول بدعة أصلاً فهم إذاً الفرقة الناجية.
الخامس: ما اختاره الإمام الطبري من أن الجماعة جماعة المسلمين إذا أجمعوا على أمير فأمر عليه السلام بلزومه ونهى عن فراق الأمة فيما اجتمعوا عليه من تقديمه عليهم ثم نقل ما يؤيد ما ذهب إليه وحاصله أن الجماعة راجعة إلى الاجتماع على الإِمام الموافق للكتاب والسنة. ثم قال: فهذه خمسة أقوال دائرة على اعتبار أهل السنة والاتباع وأنهم المرادون بالحديث فلتأخذ ذلك أصلاً. اهـ اعتصام ببعض اختصار.
[فصل في خلافة أبي بكر رضي الله عنه ونبذة من فضائله]
تقدم ذكر نسبه في أول المقصد وسماه رسول الله عبد الله وصديقاً لأنه بادر بتصديق النبي - صلى الله عليه وسلم - ولقبه عتيقاً لجمال وجهه أو لأن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال له:"أنت عتيق من النار" كما في حديث رواه الترمذي، فهو الصاحب في الغار وفي السر والجهار في الليل والنهار والسابق الأول في الإِسلام لم يعبد صنماً قط توفيقاً من الله وفطرة فطره الله عليها ولا شرب الخمر قط، والمقدم للصلاة في الحياة النبوية والذي قدّم نفسه وماله كله لله، والخليفة الأول بعده بإجماع مَن يعتد به، والذي أنقذ الإِسلام بعد الوفاة النبوية بعلمه وتوفيقه وعدله وصرامته في الحق أنفذ وصايا رسول الله - صلى الله عليه وسلم - كان قوّالاً بالحق صادعاً بالأمر سالكاً سبيل الصدق غير مائل ولا متجاف قائماً بالعدل لا تأخذه في الله لومة لائم عفيفاً لم يستأثر بحال ولا مال قط عن سنن الرسول، وكان يوليه الرسول إمرة الجيوش موصوفاً بأصالة الرأي خطيباً مصقعاً، وقد وجهه عليه السلام أمير الحاج سنة تسع ولا يوجه إلى هذه الوظيفة إلا من كان بالمكانة العليا فقهاً وإفتاء ليعلمهم مناسكهم ويفتيهم فيما لم يعلموا. قال عليه الصلاة والسلام فيما رواه الترمذي عن حذيفة "اقتدوا باللذين من بعدي أبي بكر وعمر" الحديث. قال أبو سعيد الخدري: كان أبو بكر أعلمنا. وقال الأبي في شرح مسلم: هو أول من أسلم من الرجال ثم أسلم على يديه من العشرة المشهود لهم بالجنة عثمان وطلحة والزبير وعبد الرحمن بن عوف وسعد بن أبي وقاص، وجملة ما حفظ عنه من الأحاديث مائة واثنان وأربعون حديثاً في الصحيحين منها ثمانية عشر القرطبي ومن المقطوع به أنه حفظ من الأحاديث ما لم يحفظ غيره وحصل له من العلم ما لم يحصل لغيره لأنه الصفي والملازم في الحضر والسفر والليل والنهار