وإنما لم يتفرغ للحديث والرواية لاشتغاله بالأهم ولأن غيره قام عنه بذلك اهـ أجمعت الأمة أنه هو المعني بقوله تعالى: {وَسَيُجَنَّبُهَا الْأَتْقَى (١٧)} [الليل: ١٧]، قال الفخر الرازي: إذا ضمت هذه الآية إلى قوله تعالى: {إِنَّ أَكْرَمَكُمْ عِنْدَ اللَّهِ أَتْقَاكُمْ}[الحجرات: ١٣] أنتج لنا أنه أفضل الأمة بعد نبيها - صلى الله عليه وسلم -. وقد ذكر البخاري واحداً وعشرين حديثاً في فضائله منها:"ولو كنت متخذاً خليلاً لاتخذت أبا بكر خليلاً" وتقدم نصه قريباً. وأخرج عبد الرحمن بن حميد في مسنده وأبو نعيم وغيرهما "ما طلعت الشمس ولا غربت على أحد أفضل من أبي بكر إلا أن يكون نبياً".
قد علم مما تقدم قريباً أنه اقتضت حكمة هذا الدين أن يكون الخليفة رئيسه الديني والسياسي لذا كان أول مقاصد المسلمين وأهل السابقة والمهاجرين بعد وفاة النبي - صلى الله عليه وسلم - واجتماع المسلمين على كلمة التوحيد متوجهاً إلى وجوب نصب خليفة يجمع الأمة الإِسلامية على كتاب الله وسنة رسوله ويأخذ بالقوة على ذوي العبث بالنظام لأنهم اختلفوا فيمن يولونه هذا الأمر اختلافاً ليس فيه ما ينافي المصلحة الإِسلامية بل غايتها تمحيص الفكر ومحض النصيحة فيمن تجتمع على تأميره كلمة الجمهور الأعظم من المسلمين ليكون أثبت قدماً في الخلافة وأشد حجة على المخالفين فاختاروا لهذا المنصب الرفيع أبا بكر رضي الله عنه وقالوا: نرضى لدنيانا ما رضيه - صلى الله عليه وسلم - لديننا حيث قال:"مروا أبا بكر فليصل بالناس" وخلاصة القول في انعقاد البيعة له رضي الله عنه أنه بينما كان الناس مشتغلين بوفاة النبي - صلى الله عليه وسلم - وتجهيزه ودفنه جاء مخبر فأخبر باجتماع الأنصار بسقيفة بني ساعدة بقصد المفاوضة في شأن الخلافة وأسرع إليهم أبو بكر وعمر وجماعة من المهاجرين ليتداركوا هذا الأمر قبل افتراق الكلمة، فأتوا الأنصار وقد اجتمعوا بالسقيفة لمبايعة سعد بن عبادة فأعجلهم المهاجرون عن أمرهم وغلبوهم عليه وتكلم يومئذ أبو بكر فأدلى بالحجة. وكان مما قاله:"يا معشر الأنصار إنكم لا تذكرون فضلاً وإلا وأنتم له أهل وإن العرب لا تعرف هذا الأمر إلا لقريش هم أوسط العرب داراً ونسباً وقد رضيت لكم أحد هذين الرجلين" وأخذ بيد عمر بن الخطاب وأبي عبيدة بن الجراح. فأكثر حينئذ اللغط بين الأنصار ومنهم بشير بن سعد يرون رأي المهاجرين بجعل الخلافة في قريش وأن