العلماء والأدباء والفقهاء والنحاة وغيرهم مما يعبرون عنه بالطبقات كطبقات الشعراء وطبقات المفسرين أو النحاة أو الفقهاء أو الحفاظ أو النسابين أو غيرهم. وكان ذلك أساً لعلم التاريخ وزد على ذلك ما في القرآن من الآيات الحاثة على الاشتغال بالتاريخ أو بالأخبار للعبرة والموعظة كقوله جلّ ذكره:{لَقَدْ كَانَ فِي قَصَصِهِمْ عِبْرَةٌ لِأُولِي الْأَلْبَابِ}[يوسف: ١١١].
[الجغرافيا]
ومن الأسباب التي ساعدت على وضع علم الجغرافيا وتقويم البلدان الأسفار في طلب الحديث من حملته والحج إلى مكة والرغبة في تطبيق القواعد الفقهية ويفتقر ذلك إلى معرفة حال البلاد وكيفية فتحها صلحاً أو عنوة وقد جرّ ذلك إلى تعرف البلاد ومواطنها ومع ذلك فإن في القرآن نصوصاً تحض على طلب هذا العلم كقوله جلّ جلاله:{أَفَلَمْ يَسِيرُوا فِي الْأَرْضِ فَتَكُونَ لَهُمْ قُلُوبٌ يَعْقِلُونَ بِهَا أَوْ آذَانٌ يَسْمَعُونَ بِهَا فَإِنَّهَا لَا تَعْمَى الْأَبْصَارُ وَلَكِنْ تَعْمَى الْقُلُوبُ الَّتِي فِي الصُّدُورِ}[الحج: ٤٦]{قُلْ سِيرُوا فِي الْأَرْضِ ثُمَّ انْظُرُوا كَيْفَ كَانَ عَاقِبَةُ الْمُكَذِّبِينَ}[الأنعام: ١١] وغير ذلك. وقد ذكرنا فضيلة التاريخ والجغرافيا في صدر المقصد من هذا المؤلف.
[الخطابة]
هذا ما كان من تأثير القرآن في آداب الجاهلية وهناك تأثير أحدثه القرآن أيضاً في الآداب التي كانت شائعة قبل الإِسلام فغيّر أسلوبها ورقاها وأهمها الخطابة والشعر من الفنون الأدبية الجاهلية التي زادها الإِسلام رونقاً وبلاغة وارتفعت زمن الصحابة والتابعين والفضل في ذلك عائد للكتاب المبين من وجوه منها أن القرآن وإن كان نزل بلغة القوم التي بها يتخاطبون وبفصاحتها يتفاخرون إلا أن أساليبه العالية أعجزت فصحاءهم وأخذت بمسامع قلوبهم وأكسبتهم ملكة من البلاغة في تحسين الأساليب العالية، ولذا كانوا يعيبون الخطيب المصقع إذا لم يكن في كلامه شيء من آداب القرآن. روى الحافظ عن الهيثم بن عدي أنهم -يعني العرب- كانوا يستحسنون أن يكون في الخطب يوم الحفل وفي الكلام يوم الجمع آية من آي القرآن فإن ذلك مما يورث الكلام البهاء والوقار وحسن الموقع ومنها ما جاء في القرآن من الترغيب والترهيب على الأسلوب العجيب البالغ حد الإعجاز في التأثير على الضمائر والأخذ بشكائم النفوس أعانهم على التفنن في أساليب الوعظ الخطابي عند حلول الأزمات والحاجة إلى تأليف قلوب الجماعات حتى لقد كان الخطيب البليغ