أمرهم بالمعروف ونهيهم عن المنكر على نحو ما جاء به الشرع العزيز، ولذا كان الملوك يلاقون من شدة العلماء عليهم ما يتجرعون مرارته كسحنون وسعدون الخولاني وربيع القطان وأبي محفوظ محرز بن خلف. وسترى قريباً الخبر عن القيروان بما فيه عبرة لذوي الفضل والشأن.
[فصل]
قد علمت مما تقدم أن الأندلس استوى عليه عبد الرحمن بن معاوية بن هشام بن عبد الملك بن مروان ويقال له عبد الرحمن الداخل وصار وراثة في بنيه وبقي الكلام على ما آل إليه أمرهم فنقول: إن في أيامهم استفحلت الأندلس واستبحرت بالعلوم والمعارف والصنائع مع عمران باهر وحضارة وتمدن زاهر.
في خلاصة تاريخ العرب: نصح عبد الرحمن المذكور ولده الحكم قبل وفاته بقوله: يا بنيّ، إن الممالك ملك الله وهو يؤتيها من يشاء وينزعها ممن يشاء كما يختار وحيث إنه قد أجلسنا على سرير سلطنة إسبانيا فلنشكره جزيل الشكر الأبدي ولنصنع الخير بخلقه لنكون عاملين طبق أوامره المقدسة، فإن الله تعالى لم يجعل فينا الشوكة العظمى إلا لنفعل لخير بعباده، فلنجعل عدلك مستقيماً بين الغني والفقير، وعامل جنودك برفق وبر وأمرهم بالحماية على البلاد وانههم عن الظلم والجور بين العباد. وحامِ عن الفلاحين الذين نقتات من نتائج أشغالهم واستلفت نظرك نحو مزارعهم ومحصولاتهم حتى تكون الرعية سعيدة الحال في ظل سلطانك ولتتمتع الرعية في الأمن بخيرات الحياة ونعيمها. انتهى.
ثم قال ما ملخصه: من ملوك الأموية عبد الرحمن الثالث أدخل في السياسة علوم بغداد واجتهد في تقديم العلوم والفنون، وجمّل قرطبة ومدائن الأندلس بالمباني الفاخرة، وبنى قرب قرطبة لجاريته زهراء قصراً وصفته التواريخ العربية بما لا يتصوره الذهن، وكان عصره أزهر عصر خلفاء الأموية، وبالجملة كان حائزاً للنصر الحربي والعلم الفائق والمال الوافر والزينة وجميع أسباب الاشتهار الدنيوي، ولما مات وجد في بعض أوراقه ما نصه: إنه قد مضت مدة خمسين سنة منذ توليت الخلافة وتمتعت بعلو الشأن وكثير من خزائن الأموال والملاذ والحظوظ حتى أنفذت كل ما ظفرت به منها، وإن لملوك المقارنين لي في عصري يعتبرونني ويخشونني ويغبطونني وجميع ما تشتهيه الرجال قد أنعم الله به على مَن فضله وقد أحصيت مدة خلافتي التي ظننتني فيها سعيداً فرأيتها أربعة عشر يوماً فيا أيها الناس قدروا بعقولكم