من عبد الله، وقال أبو حنيفة: إبراهيم أفقه من سالم ولولا فضل الصحبة لقلت علقمة أفقه من ابن عمر. وكان عندهم من الفطانة والحدس وسرعة انتقال الذهن من شيء إلى شيء ما يقدرون به على تخريج جواب المسائل على أقوال أصحابهم، وكل ميسر لما خلق له، وكل حزب بما لديهم فرحون. فمهدوا الفقه على قاعدة التخريج وذلك أن يحفظ كل أحد كتاب من هو لسان أصحابه وأعرفهم بأقوال القوم وأصحهم نظراً في الترجيح فيتأمل في كل مسألة وجه الحكم، فكلما سئل عن شيء أو احتاج إلى شيء رأى فيما يحفظه من تصريحات أصحابه فإن وجد الجواب فيها وإلا نظر إلى عموم كلامهم فأجراه إيماء واقتضاء يفهم المقصود، وربما كان للمسألة المصرح بها نظير تحمل عليه وربما نظروا في علة الحكم المصرح به بالتخريج أو باليسر والحذف فأداروا حكمه على غير المصرح به، وربما كان له كلامان لو اجتمعا على هيئة القياس الاقتراني أو الشرطي أنتجا جواب المسألة وربما كان في كلامهم ما هو معلوم بالمثال والقسمة غير معلوم بالحد الجامع المانع فيرجعون إلى أهل اللسان ويتكلفون في تحصيل ذاتياته وترتيب حد جامع مانع له وضبط فهمه وتمييز مشكله، وربما كان كلامهم محتملاً بوجهين فينظرون في ترجيح أحد المحتملين، وربما يكون تقريب الدلائل خفياً فيبينون ذلك، وربما استدل بعض المخرجين من فعل أئمتهم وسكوتهم ونحو ذلك فهذا هو التخريج ويقال له القول المخرج لفلان كذا، ويقال على مذهب فلان أو على أصل فلان أو على قول فلان جواب المسألة كذا وكذا ويقال لهؤلاء المجتهدون في المذهب وعنى هذا الاجتهاد على هذا الأصل من قال: من حفظ المبسوط كان مجتهداً. أي وإن لم يكن له علم برواية أصلاً ولا بحديث واحد فوقع التخريج في كل مذهب وكثر، فأي مذهب كان أصحابه مشهورين وسد إليهم القضاء والإفتاء واشتهرت تصانيفهم في الناس ودرسوا درساً ظاهراً انتشر في أقطار الأرض ولم يزل ينتشر كل حين، وأي مذهب كان أصحابه خاملين ولم يولوا القضاء والإفتاء ولم يرغب فيهم الناس اندرس بعد حين اهـ.
[فائدة]
اعلم أن ما جاء في الشريعة المطهرة الفخيمة لا يخرج عن الرخصة والعزيمة. وقد أتى على تحرير ذلك بأبين بيان وأفصح عبارة، وألطف إشارة، العارف الشعراني في أوائل كتابه (كشف الغمة عن جميع الأمة) وإليك ما حرره، رحمه الله وفي الملأ الأعلى ذكره. قال: الشريعة كالشجرة العظيمة المنتشرة، وأقوال علمائها