نهج أبي عبيد وابن قتيبة فكانت هذه الكتب الثلاثة في غريب الحديث والأثر أمهات الكتب وعليها عوّل علماء الأمصار وأبو عبيد أحمد بن محمَّد الهروي المتوفى سنة ٤٠١هـ وهو من طبقة الخطابي ومعاصريه ألّف كتابه السائر جمع فيه بين غريب القرآن والحديث ورتبة ترتيباً لم يسبق إليه مرتباً على حروف المعجم وذاع صيت هذا الكتاب بين الناس واتخذوه عمدة في الغريب واقتفى أثره كثيرون واستدرك ما فاته آخرون وما زالت الأيام تنقضي عن تصانيف وتبرز تآليف إلى عهد الإِمام أبي القاسم محمود بن عمر الزمخشري فألّف كتابه الفائق في غريب الحديث وإنه لكتاب قيم ولكن في العثور على معرفة الغريب منه مشقة فكان لذلك كتاب الهروي أقرب منه متناولاً وألّف أبو بكر محمَّد بن أبي بكر المديني كتاباً جمع فيه على طريقة الهروي وكذلك صنف أبو الفرج عبد الرحمن الجوزي كتاباً في غريب الحديث خاصة ولمهذب الدين بن الحاجب تأليف في عشر مجلدات ثم جاء مسجد الدين مبارك المعروف بابن الأثير الذي لخص ما تقدم من مقدمة نهايته فجمع ما في كتاب الهروي والمديني من غريب الحديث والأثر وأضاف إليه ما عثر عليه في كتب السنة من صحاح وسنن وجوامع ومصنفات ومسانيد سالكاً في الترتيب منهج أصله فكان من ذلك كتابه النهاية في غريب الحديث والأثر وقد اختصر النهاية عيسى بن محمود الصفوي وكذلك الجلال السيوطي في كتابه الدر النثير تلخيص نهاية ابن الأثير وقد طبعت النهاية وبالهامش الدر النثير.
قلت: ومن الكتب المؤلفة في غريب الحديث مشارق الأنوار للإمام القاضي عياض في تفسير غريب حديث الموطأ والبخاري ومسلم وضبط الألفاظ والتنبيه على مواضع الأوهام والتصحيفات وضبط أسماء الرجال وهو كتاب لو كتب بالذهب ووزن بالجوهر لكان قليلاً في حقه.
[علم رجال الحديث]
١٨١٣ - هذا فن جليل القدر عظيم الأثر، الحاجة إليه داعية والضرورة به قاضية وليس من عظيم في الحديث وهو عنه بعيد أو باعه فيه قصير وكيف لا يكون كذلك وهو نصف علم الحديث فإنه سند ومتن والسند عبارة عن الرواة فمعرفة أحوالهم نصف هذا العلم بلا ريب والكتب المصنفة فيه كثيرة الأنواع متشعبة الأغراض فمن مؤلف في أسماء الصحابة خاصة أو في رواة الحديث عامة ومن خاص بالثقات أو الضعفاء أو الحفاظ أو المدلسين أو الوضاعين ومن مبين للجرح والتعديل وألفاظهما ومراتب كل منهما من كاشف عن المؤتلف والمختلف أو المتفق