حيث أن به يعرف كيفية الاقتداء به - صلى الله عليه وسلم - وحكمه الوجوب العيني على مَن انفرد والكفائي على من تعدد واستمداده من أقوال النبي - صلى الله عليه وسلم - وأفعاله وتقريراته وصفاته الخلقية ككونه ليس بالطويل البائن ولا بالقصير وأخلاقه المرضية ككونه أحسن الناس خلقاً فهذه هي المبادىء العشرة المشهورة.
وأما علم الحديث دراية وهو المراد عند الإطلاق فهو علم يعرف به حال الراوي والمروي من حيث القبول والرد وما يتبع ذلك وموضوعه الراوي والمروي من الحيثية المذكورة وغايته معرفة ما يقبل وما يرد من ذلك ومسائله ما يذكر في كتبه من المفاسد كقولك كل حديث صحيح يقبل وواضعه ابن شهاب الزهري في خلافة عمر بن عبد العزيز بأمره وقد أمر أتباعه بعد فناء العلماء العارفين بالحديث بجمعه ولولاه لضاع الحديث واسمه علم الحديث دراية وبقية المبادىء العشرة تعلم مما تقدم لأنه قد شارك فيها النوع الثاني الأول.
واعلم أن أواخر القرن الثاني كان مبدأ السعادة والنهضة العلمية في سائر العلوم وتكونت معلومات كثيرة وسترى شرح ذلك في الطبقة الرابعة من التتمة وهو دور ازداد فيه حفّاظ القرآن وانتشروا في كل قطر واعترف المسلمون في جميع الأقطار بالتبريز للقراء السبعة وهذا العصر وما بعده كان عصراً مجيداً للسنة فقد تنبه رواتها إلى وجوب تصنيفها وتدوينها، وقد وجدت هذه الفكرة في جميع الأقطار الإِسلامية في أوقات متقاربة فكان من مدونيها في الدور الأول مالك وستعلم شرح ذلك.
[صلة]
١٧٨٠ - في أن القرآن تكفل الله بحفظه والسنة قام بحفظها جهابذة أعلام من أعيان أئمة الإِسلام
اعلم أني ذكرت في المقدمة فضيلة التاريخ وفضيلة الأسانيد والقرآن العظيم وطبقات كتب السنة في الصحة وأئمة الحديث والأئمة المجتهدين والفرق بين أهل الحديث وأصحاب الرأي وغير خفي أن القرآن والسنة هما المحيط الشاسع والقاموس الواسع الذي من مائهما نبعت عيون فقههم ومن هباتهما تكونت مذاهبهم وذكرت هناك أن أبا بكر رضي الله عنه جمع القرآن من صدور الرجال وبعض الصحف وأن سيدنا عثمان رضي الله عنه جمع الناس على مصحف واحد بلغة قريش بعد أن تعددت القراءات واختلف فيها أهل الأمصار ولا يعلم قدر فضلهما بذلك