للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

[خلاصة فيما حصل لرسول الله - صلى الله عليه وسلم - وهو بمكة عندما أعلن بالرسالة وما حصل لمن آمن به]

في كتاب الاعتصام أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - بعثه الله تعالى على حين فترة من الرسل وفي جاهلية جهلاء لا تعرف من الحق رسماً ولا تقيم به في باب مقاطع الحقوق حكماً، بل كانت تنتحل ما وجدت عليه آباءها وما استحسنه أسلافها من الآراء المنحرفة والنحل المخترعة والمذاهب المبتدعة. فحين قام فيهم بشيراً ونذيراً وداعياً إلى الله بإذنه وسراجاً منيراً فسرعان ما عارضوا معروفه بالنكر وغيروا في وجهه صوابه بالإفك والمكر ونسبوا إليه إذ خالفهم في الشرعة ونابذهم في النحلة كل محال ورموه بأنواع البهتان، فتارة يرمونه بالكذب وهو الصادق المصدوق الذي لم يجربوا عليه قط خبراً بخلاف مخبره، وآونة يتهمونه بالسحر وفي علمهم أنه لم يكن من أهله ولا ممن يدعيه، وكرة يقولون إنه مجنون مع تحققهم بكمال عقله وبراءته من مس الشيطان وخبله، وإذا دعاهم إلى عبادة المعبود بحق وحده لا شريك له قالوا: {أَجَعَلَ الْآلِهَةَ إِلَهًا وَاحِدًا إِنَّ هَذَا لَشَيْءٌ عُجَابٌ (٥)} [ص: ٥] مع الإقرار بمقتضي هذه الدعوة الصادقة {فَإِذَا رَكِبُوا فِي الْفُلْكِ دَعَوُا اللَّهَ مُخْلِصِينَ لَهُ الدِّينَ} [العنكبوت: ٦٥] إذا أنذرهم بطشة يوم القيامة أنكروا ما يشاهدون من الأدلة على إمكانه وقالوا: {أَإِذَا مِتْنَا وَكُنَّا تُرَابًا ذَلِكَ رَجْعٌ بَعِيدٌ (٣)} [ق: ٣] وإذا خوّفهم نقمة الله قالوا: {وَإِذْ قَالُوا اللَّهُمَّ إِنْ كَانَ هَذَا هُوَ الْحَقَّ مِنْ عِنْدِكَ فَأَمْطِرْ عَلَيْنَا حِجَارَةً مِنَ السَّمَاءِ أَوِ ائْتِنَا بِعَذَابٍ أَلِيمٍ} [الأنفال: ٣٢] اعتراضاً على صحة ما أخبرهم به مما هو كائن لا محالة، وإذا جاءهم بآية خارقة افترقوا في الضلالة على فرق واخترقوا فيها لمجرد العناد ما لا يقبله أهل التهدي إلى التفرقة بين الحق والباطل كل ذلك قصداً منهم إلى التأسي بهم والموافقة على ما ينتحلون إذا رأوا خلاف المخالف لهم في باطلهم رداً لما هم عليه ونبذاً لما شدوا عليه يد الظنة واعتقدوا إذا لم يتمسكوا بدليل أن الخلاف يوهو الثقة ويقبح جهة الاستحقاف وخصوصاً حين اجتهدوا في الانتصار بعلم فلم يجدوا أكثر من تقليد الآباء، ولذا أخبر الله تعالى عن إبراهيم عليه السلام في محاجة قومه {مَا تَعْبُدُونَ (٧٠) قَالُوا نَعْبُدُ أَصْنَامًا فَنَظَلُّ لَهَا عَاكِفِينَ (٧١) قَالَ هَلْ يَسْمَعُونَكُمْ إِذْ تَدْعُونَ (٧٢) أَوْ يَنْفَعُونَكُمْ أَوْ يَضُرُّونَ (٧٣) قَالُوا بَلْ وَجَدْنَا آبَاءَنَا كَذَلِكَ يَفْعَلُونَ (٧٤)} [الشعراء: ٧٠ - ٧٥] فحادوا كما ترى عن الجواب القاطع المورد مورد السؤال إلى الاستمساك بتقليد الآباء. وقال الله تعالى: {أَمْ آتَيْنَاهُمْ كِتَابًا مِنْ قَبْلِهِ فَهُمْ بِهِ مُسْتَمْسِكُونَ (٢١) بَلْ قَالُوا إِنَّا

<<  <  ج: ص:  >  >>