للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

هذا الأمر رأسآ ولا تكونوا فيه أذناباً. وروي عن ابن عباس أن هذه الآية كانت سبب استقرار الإيمان في قلب عثمان بن مظعون بعد أن أسلم محبة في النبي - صلى الله عليه وسلم ولجمعها ما جمعت أقامها عمر بن عبد العزيز حين آلت الخلافة إليه مقام ما كان بنو أمية يجعلونه في أواخر خطبهم من سب علي كرّم الله وجهه وكان ذلك من أعظم مآثره رضي الله عنه. وقال غير واحد: لو لم يكن في القرآن غير هذه الآية الكريمة لكفت في كونه تبياناً لكل شيء وهدى ورحمة وبشرى للمسلمين. ولعل إيرادها عقب قوله تعالى: {وَنَزَّلْنَا عَلَيْكَ الْكِتَابَ تِبْيَانًا} [النحل: ٨٩] للتنبيه عليه. انتهى باختصار.

أما الشقاوة فإنها تكون باجتناب المأمورات وارتكاب الرذائل والمحرمات واتباع البدع والشهوات وإيثار اللذات كالفجور وقول الزور وشرب الخمور وحب الظهور والدخول تحت معاصي الله ومساخطه جهلاً باستدراج الله وأمناً لمكره. قال جلّ ذكره: {وَضَرَبَ اللَّهُ مَثَلًا قَرْيَةً كَانَتْ آمِنَةً مُطْمَئِنَّةً يَأْتِيهَا رِزْقُهَا رَغَدًا مِنْ كُلِّ مَكَانٍ فَكَفَرَتْ بِأَنْعُمِ اللَّهِ فَأَذَاقَهَا اللَّهُ لِبَاسَ الْجُوعِ وَالْخَوْفِ بِمَا كَانُوا يَصْنَعُونَ (١١٢)} [النحل: ١١٢]، وقال: {وَاتَّقُوا فِتْنَةً لَا تُصِيبَنَّ الَّذِينَ ظَلَمُوا مِنْكُمْ خَاصَّةً} [الأنفال: ٢٥] في روح المعاني: المراد بالفتنة الذنب. وفسر بنحو إقرار المنكر والمداهنة في الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر وافتراق الكلمة وظهور البدع. وفيه عند قوله عز من قائل: {يَا أَيُّهَا النَّاسُ إِنَّمَا بَغْيُكُمْ عَلَى أَنْفُسِكُمْ} [يونس: ٢٣] أخرج أبو الشيخ وأبو نعيم والخطيب والديلمي وغيرهم عن أنس رضي الله عنه قال: قال رسول الله: "ثلاث هن رواجع: المكر والنكث والبغي" ثم تلا عليه الصلاة والسلام: {يَا أَيُّهَا النَّاسُ إِنَّمَا بَغْيُكُمْ عَلَى أَنْفُسِكُمْ} {وَلَا يَحِيقُ الْمَكْرُ السَّيِّئُ إِلَّا بِأَهْلِهِ} [فاطر: ٤٣] {فَمَنْ نَكَثَ فَإِنَّمَا يَنْكُثُ عَلَى نَفْسِهِ} [الفتح: ١٠] وأخرج ابن مندويه عن ابن عباس رضي الله عنهما قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: "لو بغى جبل على جبل لدك الباغي" والبغي هو الظلم الظاهر الذي لا يخفى قبحه على أحد. وفي ذلك من الزجر ما لا يخفى اهـ.

لا يأمن الدهرَ ذو بغي ولو ملكا ... جنوده ضاق عنها السهل والجبل

فصدور مثل تلك المخالفات سالبة للنعم جالبة للنقم وإثارة الفتن والمصائب والإحن وفقد الراحة والهوان وقلة العمران وخراب الديار والمنازل والفناء في الشعوب والقبائل. قال تعالى: {وَمَا كَانَ رَبُّكَ لِيُهْلِكَ الْقُرَى بِظُلْمٍ وَأَهْلُهَا مُصْلِحُونَ (١١٧)} والخلاصة أن السعادة والشقاوة مقترنتان بالعمل الفاسد والصالح وتترتب عليهما في الدنيا ما قد علم وفي الآخرة الجنة وجهنم.

<<  <  ج: ص:  >  >>