للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

والمسلمون في اليرموك أو على دمشق كما اختلفوا هل فتح شيء من الشام قبل اليرموك في خلافة أبي بكر رضي الله عنه أو لا. ومما لا ريب فيه أن جيوش المسلمين لما أوغلت في القسم الجنوبي من الشام افتتحت كل ما مرت عليه من البلاد وربما بلغت حمص شمالاً، إلا أن انجلاءهم بعد عن البلاد وتقهقرهم لليرموك جعل ذلك الفتح الأول كأن لم يكن لانتقاض البلاد بعد خروج المسلمين عنها وعدم استطاعتهم ترك الحامية فيها لقلة عددهم وكثرة جنود عدوهم، لهذا عوّل المؤرخون في سياق أخبار الفتح على ما كان منه بعد اليرموك في خلافة عمر رضي الله عنه. وفي كلا الحالين فإن الفتح الحقيقي للديار الشامية تم في زمن عمر. ولأبي بكر الفضل العظيم في سبقه إليه وإعداده مثل جيش اليرموك له، وأما عزل خالد بن الوليد فالأصح أنه جاء وهم على دمشق كما سترى بعد إن شاء الله. واختلف في اليرموك هل كانت قبل وقعة أجنادين أو بعدها واليرموك من عمل الأردن وهو واد بناحية الشام وأجنادين من عمل فلسطين.

[فصل]

كان أبو بكر رضي الله عنه كثيراً ما يعمل بما يشير به علي رضي الله عنه عند بعث الجنود ولا يأذن له في الخروج مع المجاهدين حرصاً على بقائه معه للانتفاع برأيه ومشورته، وكذلك لم يأذن في الخروج لعمر وعثمان رضي الله عنهما للاستعانة بكل منهما على تدبير أمور المسلمين ولا يفعل شيئاً إلا بعد مشورتهم مع غيرهم من وجوه أصحاب النبي - صلى الله عليه وسلم -.

وكان رضي الله عنه من العلم بقوانين الشريعة والخبرة بوجوه السياسة في منزلة لا يطاولها سماء ومع هذا لا يبرم أمراً في حادثة إلا بعد أن تتداولها آراء الجماعة من الصحابة. أخرج البغوي عن ميمون بن مهران قال: كان أبو بكر إذا ورد عليه الخصوم نظر في كتاب الله فإن وجد فيه ما يقضي بينهم قضى به وإن لم يكن في الكتاب وعلم من رسول الله - صلى الله عليه وسلم - في ذلك الأمر سنة قضى بها فإن أعياه خرج يسأل المسلمين وقال أتاني كذا وكذا فهل علمتم أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قضى في ذلك بقضاء فربما اجتمع إليه النفر كلهم يذكر من رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فيه قضاء فيقول أبو بكر: الحمد لله الذي جعل فينا من يحفظ عن نبينا، فإن أعياه أن يجد في سنة رسول الله - صلى الله عليه وسلم - جمع رؤوس الناس وخيارهم فاستشارهم فإن أجمع رأيهم على أمر قضى به. وكان عمر رضي الله عنه يفعل ذلك فإن أعياه أن يجد في القرآن والسنة نظر هل كان فيه لأبي بكر قضاء فإن وجد أبا بكر قضى فيه بقضاء قضى به وإلا دعا رؤوس المسلمين فإذا أجمعوا على أمر قضى به.

<<  <  ج: ص:  >  >>