أعلمهم بكتاب الله تعالى قراءة وعلماً وكان من أعظم الأمور عليه أن الصحابة لما عزموا على كتب المصحف عيّنوا لذلك أربعة ولم يكن منهم ابن مسعود وكتبوه على لغة قريش ولم يعرجوا على ابن مسعود لأنه كان هذلياً وكانت قراءته على لغتهم وبينها وبين لغة قريش تباين عظيم فلذلك لم يدخلوه معهم. حدّث عن النبي - صلى الله عليه وسلم - بالكثير وروى عنه الكثير من الصحابة والتابعين وكان يقول: أخذت من في رسول الله - صلى الله عليه وسلم - سبعين سورة. أخرجه البخاري وهو أول من جهر بالقرآن بمكة وفي البخاري خذوا القرآن عن أربعة: عن ابن أم عبد ومعاذ بن جبل وأبي بن كعب وسالم مولى أبي حذيفة. وشهد فتوح الشام وسيّره عمر إلى الكوفة ليعلمهم أمورهم وبعث عمار بن ياسر أميراً وقال إنهما من النجباء من أصحاب محمَّد - صلى الله عليه وسلم - فاقتدوا بهما ثم أمره عثمان على الكوفة ثم عزله واستقدمه إلى المدينة، قال حذيفة: ما أعلم أحداً سواه أشبه دلاً وهدياً برسول الله - صلى الله عليه وسلم -، وكان زاهداً صالحاً له مزايا كثيرة. وقد انتشر العلم والدين عن أصحاب أربعة من أعلام الصحابة ابن مسعود وأصحابه وهم أهل العراق وزيد بن ثابت وعبد الله بن عمر وأصحابهما وهم أهل المدينة وابن عباس وأصحابه وهم أهل مكة. توفي بالمدينة سنة ٣٢ هـ.
[سيدنا أبو ذر (رضي الله عنه)]
هو أبو ذر جندب بن عمرو الغفاري من كبار الصحابة أسلم بعد أربعة وقصة إسلامه في الصحيحين ثم انصرف إلى بلاد قومه فأقام بها حتى قدم عام الحديبية بعد أن مضت بدر وأحد والخندق. غلب عليه التعبد والتزهد فكان يعتقد أن جميع ما يفضل عن الحاجة كنز فإمساكه حرام، ودخل الشام بعد موت النبي - صلى الله عليه وسلم - وهو ممن نشر العلم به والدين، وكان في رتبة ابن مسعود في العلم ووقع بينه وبين معاوية نزاع في قوله تعالى:{وَالَّذِينَ يَكْنِزُونَ الذَّهَبَ وَالْفِضَّةَ} الآية فشكاه معاوية إلى عثمان فأقدمه عثمان المدينة واستأذن عثمان في إقامته بالربذة موضع منقطع عن المدينة ومات هناك سنة ٣٢ هـ وهو أول من حيى النبي - صلى الله عليه وسلم - تحية الإِسلام وهي السلام عليكم وذلك لما دخل عليه ليسلم روى ابن عساكر عن أبي الدرداء أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال:"ما أظلت الخضراء ولا أقلت الغبراء أصدق لهجة من أبي ذر".