وروي أنه لما ثقل قال لابنه عبد الله: ضع خدي على الأرض، فوضعه على الأرض فجعل يقول: ويلي وويل أمي أن لا يغفر لي ربي، ثم مات، ولما توفي صلي عليه في المسجد وحمل على سرير رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ودفن بجنب أبي بكر وغسله ابنه عبد الرحمن وصلّى عليه صهيب وكان تقدم قبل ذلك علي وعثمان للصلاة عليه فقال عبد الرحمن: لا إله إلا الله ما أحرصكما على الإمرة أما علمتما أن أمير المؤمنين قال: ليصلِّ بالناس صهيب.
وفي أسد الغابة روى أبو بكر بن إسماعيل بن محمد بن سعد قال: طعن عمر يوم الأربعاء لأربع ليال بقين من ذي الحجة سنة ٢٣ ودفن يوم الأحد هلال المحرم سنة ٢٤ وكانت خلافته عشر سنين وخمسة أشهر وواحداً وعشرين يوماً وقال غيره: هذا وهم، توفي لأربع ليال بقيت من ذي الحجة وبويع عثمان يوم الاثنين لليلة بقيت من ذي الحجة وكانت ولادته بمكة سنة ٣٧ قبل الهجرة.
[وصيته لمن يخلفه]
أخرج ابن الجوزي وغيره من الحفاظ والمحدثين عن ابن عمر أنه قال: دفع إليّ عمر كتاباً فقال: إذا اجتمع الناس على رجل فادفع إليه هذا الكتاب واقرأه مني السلام فإذا فيه أوصى الخليفة من بعدي بتقوى الله وأوصيه بالمهاجرين الأولين الذين أُخرجوا من ديارهم وأموالهم يبتغون فضلاً من الله ورضواناً وينصرون الله ورسوله أن يعرف حقهم ويحفظ لهم كرامتهم وأوصيه بالأنصار خيراً {وَالَّذِينَ تَبَوَّءُوا الدَّارَ وَالْإِيمَانَ مِنْ قَبْلِهِمْ يُحِبُّونَ مَنْ هَاجَرَ إِلَيْهِمْ وَلَا يَجِدُونَ فِي صُدُورِهِمْ حَاجَةً مِمَّا أُوتُوا} إلى قوله: {الْمُفْلِحُونَ}[الحشر: ٩] أن يقبل من محسنهم ويتجاوز عن مسيئهم وأن يشركوا في الأمر وأوصيه بذمة الله وذمة محمد - صلى الله عليه وسلم - "وهم أهل الذمة" أن يوفي بعهدهم ولا يكلفوا فوق طاقتهم يقاتل من وراءهم "أي يحميهم" اهـ.
هكذا كانت حياة هذا الرجل العظيم الطاهر السريرة الذي فتح الممالك ورفع منار الإِسلام وبسط العدل وبثّ روح الجد والنشاط في العرب وأسس لهم ذلك الملك العريض وفلّ بهم جيوش فارس والروم ورباهم على العفاف وكف يد الظلم واحترام العهود والوفاء بالذمة كما أمر به الإِسلام وقررته شريعة محمد عليه الصلاة والسلام سعدت بحياته الرعية ودخل الأمم في طور جديد من الحرية والعدل والأمن والراحة وبلغ به الحرص على ذلك البذار الطيب الذي بذره في المسلمين الذي يدل على الهمة العالية والشيم الطاهرة والأخلاق البارة التي اكتسبها من النبي عليه الصلاة والسلام فكان خير قدوة للمسلمين وذكرى الفخر الخالد لهم بين الناس أجمعين.