في مأمن من رأفته بهم ولينه عليهم إذ صاح بهم صائح الفتنة فاستوقفهم عن سيرهم ثم قذف بهم في لج من التخاصم ما بلغوا ساحله إلا وهم أحزاب متفرقة وشيع متباينة. فكان عصر عثمان بهذا عصراً جمع بين الأضداد من الرخاء والشدة والراحة والتعب والغنى وضده والقوة والضعف ومنها بدأت سلسلة الأحزاب السياسية والدينية والجمعيات السرية والجهرية وإليه ينتهي تاريخ الانقلاب العظيم الذي طرأ على الدول الإسلامية وحول مجرى السياسة عن وجهتها الأصلية. إن الدول إذا قامت في أول نشأتها بقوة الحياة الملية والتناصر القومي ونشأت على أساس الوحدة في الاعتقاد والفكر بين أصناف الأمة وأخذت على نفسها إنصاف المغلوبين لها الخاضعين لسلطانها من الشعوب الأخرى قلّ أن تتعرض لخطر الضعف والانحلال العاجل بما يعرض لها من الفتن أو يظهر فيها من الأحزاب والشيع لهذا فإن اضطراب الدولة وتفرق أغراض الأمة في عهد عثمان لم يؤثر على مركز الدولة في أرجاء ممالكها القاصية والدانية ولم يقلل من سطوة الخلافة بين الدول المتاخمة والأمم المغلوبة بل كأن الأمم استشعرت من تلك الضوضاء القائمة أنها نتيجة حياة قومية ونشاط عظيم يراد بها تمحيص الحق وتدعيم أمر الخلافة فلبثت على الحياد تنتظر غاية الأمر ولا تمد إلى الدولة يد الغدر حتى انجلت الفتنة عن قتل عثمان وقيام علي والأحزاب الأخرى ثم مصير الخلافة إلى بني أمية ولولا ما حبب إلى الناس من خلافة الراشدين وما بهرهم من قوة أولئك الفاتحين لربما كانت اشتعلت المملكة يومئذ ناراً واستفز الطيش الأشرار، لكن الملك الذي ينهض بالعدل، والدولة التي تقوم على الأساس الذي ذكرنا لا يزعزعها تفرق المالكين إلى أحزاب وشيع ولا يطمع في جانبها الطامعون.
[فضائل علي القرشي الهاشمي - رضي الله عنه -]
هو الخليفة الرابع أمير المؤمنين سيدنا أبو الحسن علي بن أبي طالب بن عبد المطلب بن هاشم وأمه فاطمة بنت أسد بن هاشم وهي أول هاشمية ولدت هاشمياً أصغر أولاد أبي طالب الثلاثة جعفر وعقيل وطالب. ولد قبل البعثة بعشر سنين على الراجح وأسلم وهو ابن عشر سنين على الراجح واتفق الجمهور على أنه أول مَن أسلم من الصبيان لحديث "أولكم وارداً على الحوض أولكم إسلاماً علي بن