ماشاه الناس في ذلك وساروا سيرته فيه، وكانوا في عصر عمر لا يجرأون على اقتناء الضياع والدور والإكثار من مظاهر الثروة والغنى مع إقبال الدنيا عليهم كما هي في عهد عثمان فقد بني لنفسه ولنسائه وأولاده بضع دور بالمدينة وشيّد داره بالحجارة والكلس وجعل أبوابها من الساج والعرعر وبنى مسجد رسول الله - صلى الله عليه وسلم - بالعمد المرفوعة وتأنق في بنائه واقتنى الدور والضياع والجنات والعيون بالمدينة وأظهر بهذا أثر النعمة التي أنعمها الله على العرب وتبعه الناس في ذلك وتظاهروا بمظهر الغنى وجنحوا إلى الحصول على المال والتنعم في المعيشة، فاقتنى سعيد بن العاص ومروان بن الحكم القصور خارج المدينة وأخذ كبار الصحابة في ذلك بمذهبه، ذكر المسعودي منهم جماعة اقتنوا الضياع والدور وماتوا على مال كثير ونعم وفيرة، منهم الزبير بن العوام بني داراً بالبصرة وداراً بمصر ومثلها بالإسكندرية والكوفة واقتنى كثيراً من المال والضياع حتى ضرب المثل بغناه وأكثرها كانت من التجارة لأنه كان تاجراً محظوظاً، وكذلك طلحة بن عبيد الله وكانت ثروته من التجارة أيضاً، وكذلك عبد الرحمن بن عوف وزيد بن ثابت ويعلي بن أمية، وأنهم بنوا الدور وشيّدوا القصور وتركوا أموالاً وضياعاً كثيرة وأن سعد بن أبي وقاص ابتنى داراً بالعقيق فرفع سمكها ووسع فضاءها ومثله فعل المقداد بداره بالجرف على أميال من المدينة وهذا دليل على سرعة انتقال القوم من حال إلى حال في عصر عثمان وجنوحهم إلى التنعم بنعيم الحضارة وهو أثر محمود من آثار الشكر للمنعم إذا لم يتجاوز حد القصد إلى السرف ولم يتناول كل الطبقات ولم يتدرج منه الناس إلى المنكرات. ومما لا ريب فيه أن عصر الصحابة مهما انطلق أهله في مجال السعة والنعيم لا يتجاوزون الحد الشرعي ولا يأخذون بغير المباح وقد فاضت عليهم الدنيا وكثر لديهم المال فلا بد من صرفه في وجوه التنعم بما أحله الله من الطيبات دون المنكر والشهوات. استكمل الفتح في عهد عثمان ودال للعرب ملك فارس وصارت إليهم سياسة الممالك فساروا في الناس سيرة جميلة أمر بها الإسلام وسلكوا من العدل والحق طريقاً توخاه الخلفاء وتبعهم فيها الولاة والأمراء، فازدهى أمر الدولة الجديدة وعمت كلمة العدل وكثر المال وامتد رواق العمران وراجت التجارة وتصاعدت أثمان السلع والعقار وكل ما يباع ويشترى بنسبة كثرة النقد، فبيعت جارية بوزنها وفرس بمائة ألف درهم ونخلة بألف درهم. نقل هذا المحب الطبري في الرياض النضرة عن ابن سيرين. هذا غاية ما تصل إليه الممالك في ترقي العمران وتوفي أسباب الكسب ونمو الثروة بين طبقات الناس فبينما العرب في مثل هذا الرخاء والرغد من العيش يتمتعون بما أفاء الله عليهم من تراث الأمم ويتسنمون ذرى الحضارة ويتبسطون في العيش ويسيرون سيرهم الحثيث في الفتح ويرفعون لأخلافهم بنيان المجد والدنيا مقبلة عليهم وملك الفرس والروم صار إليهم وعثمان