ليخلص طالب الحديث من عناء السؤال والبحث وكان أول الراسمين لهذه الطريقة المثلى شيخ المحدثين محمَّد بن إسماعيل البخاري فجمع في كتابه المشهور ما تبينت له صحته وكانت الكتب قبله ممزوجاً فيها الصحيح بالعليل بحيث لا يتبين للناظر فيها درجة الحديث من الصحة إلا بعد البحث عن أحوال رواته والوقوف على سلامته من العلل فإن لم يكن من أهل البحث ولم يظفر بمن يتعرف منه درجته بقي ذلك الحديث مجهول الحال عنده واقتفى أثر البخاري في ذلك الإِمام مسلم بن الحجاج القشيري وكان من الآخذين عنه ثم ارتسم خطتهما كثيرون وإن ذلك القرن الثالث لأجل عصور الحديث وأسعدها بخدمة السنة ففيه ظهر كبار المحدثين وجهابذة المؤلفين وحذّاق الناقدين وفيه أشرقت شموس الكتب الستة التي كادت لا تفلت من صحيح الحديث إلا النزر اليسير والتي يعتمد عليها المستنبطون وبها يعتضد المناظرون وعن محياها تنجاب الشبه وبضوئها يهتدي الضال وببرد يقينها تثلج الصدور. وبانسلاخ هذا القرن يكاد يتم جمع الحديث وتدوينه ويبتدىء عصر ترتيبه وتهذيبه وتسهيله على رواده وتقريبه.
[كتب السنة في القرن الثالث]
١٧٩٢ - أشهر الكتب في القرن الثالث صحيح البخاري وصحيح مسلم وسنن أبي داود وسنن النسائي وجامع الترمذي وسنن ابن ماجه ومسند الإِمام أحمد بن حنبل والمنتقى في الأحكام لابن الجارود ثم مصنف ابن أبي شيبة وكتاب محمَّد بن نصر المروزي ومصنف سعيد بن منصور وكتاب تهذيب الآثار محمَّد بن جرير الطبري وهو من عجائب كتبه ابتدأ فيه بما رواه أبو بكر الصديق وتكلم على كل حديث وعلته وطرقه وما فيه من الفقه واختلاف العلماء وحججه واللغة فتم مسند العشرة وأهل البيت والموالي وقطعة من مسند ابن عباس والمسند الكبير لبقي بن مخلد القرطبي رتبه على أسماء الصحابة روى فيه عن ١٣٠٠ صحابي ونيف ثم رتب حديث كل صاحب على أبواب الفقه فجاء كتاباً حافلاً مع ثقة مؤلفه وضبطه وإتقانه ومسند عبيد الله بن موسى ومسند إسحاق بن راهويه ومسند عبد بن حميد ومسند الدارمي ومسند أبي يعلى الموصلي ومسند ابن أبي أسامة الحارث بن محمَّد التميمي ومسند ابن أبي عاصم أحمد بن عمرو الشيباني وفيه نحو خمسين ألف حديث ومسند ابن أبي عمر وأحمد بن يحيى العدني ومسند أبي هريرة لإبراهيم بن حرب العسكري ومسند الإِمام علي لأحمد بن شعيب النسائي ومسند العنبري لإبراهيم بن إسماعيل الطوسي والمسند الكبير للبخاري ومسند مسدد بن سرهد ومسند محمَّد بن مهدي